من قتل يفغيني بريغوجين؟
فتش عن المستفيد.. لماذا يستحيل تورط السلطات الروسية في مقتل قائد فاجنر؟

لا يزال الغموض يحيط بمقتل يفغيني بريغوجين قائد فاجنر، الذي كان أهم أسلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة أن الحادثة وقعت بعد نشر فيديو لزعيم فاجنر في إحدى الدول الإفريقية، وفيها يعلن ولاءه لروسيا، ومواصلة مشاريعها في القارة السمراء، وتزامن الحدث مع إعادة الترويج للقاء قديم منذ سنوات لبوتين، يصرح فيه بعدم تسامحه في الخيانة، وتداول الفيديو على نطاق واسع يثير شبهات حول أيادٍ خفية تعبث في علاقة يفغيني بريغوجين ببوتين.
من المستفيد من مقتل يفغيني بريغوجين قائد فاجنر؟
هذا التساؤل رغم أنه حيوي في مصرع يفغيني بريغوجين قائد فاجنر، إلا أنه نفسه لن يعطينا الإجابة الدقيقة، حيث إن مثل هذه الأمور لا تخضع للمنطق، وإنما لسياسات وتوجهات، فمثلا المنطق يقول إنه يمكن أن يكون بوتين وراء اغتيال زعيم فاجنر؛ حتى لا يتكرر هذا الأمر، خاصة في هذه الظروف الشائكة من الحرب ضد أوكرانيا، مهما تبتَ وأنبتَ، ومهما كانت أهميتك، ولكن في المقابل فإن السياسات تفرض على صاحب القرار أن يُبقِيَ على قوة لا يُستهان بها في حربه الطويلة، خاصة بعد آخر فيديو لزعيم فاجنر الاثنين الماضي، الذي أعلن فيه استكمال مخططات بوتين في إفريقيا، والانصياع له.
لذا فكل ما سنتوصل إليه مجرد تخمينات، لا سيما وأن موسكو لا تتعجل في تحقيقاتها، ومن ثم سيطول أمد التخمينات؛ انتظارا لنتائج التحقيقات.

صراع بريغوجين مع وزير الدفاع ورئيس الأركان الروسي
هناك عدة تصاريح قالها بعض المعنيين بمقتل يفغيني بريغوجين، كل منها يشير إلى اتجاه، أهمها وأولها صاحب القضية نفسه، والذي أعلن عن سبب تمرده بوضوح، وهو تقاعس وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان العامة الروسية فاليري جيراسيموف عن مد قوات فاجنر بالأسلحة والذخائر التي هم في أمسِّ الحاجة إليها؛ ليظهر لنا أن الصراع لم يكن بين يفغيني بريغوجين والدولة، وإنما بين مسئولين بها، وأنه كان يسعى للإطاحة بهما من أجل روسيا العظمى وفقا لرأي بريغوجين.

بوتين: لن أتسامح مع الخيانة
ثاني التصريحات الخطيرة هو تصريح بوتين في لقاء تليفزيوني أنه لا يمكن أن يتسامح في الخيانة، وهو اللقاء الذي لا يزال يتم استثماره عبر مواقع التواصل والسوشيال ميديا لغرض واضح، ولكن هذا التصريح يقابله تساؤل: لو أن بوتين وراء مقتل يفغيني بريغوجين ليكون عبرة لغيره، فهل سيلتزم الصمت، خاصة أن هذا الأمر سيريح وزير الدفاع ورئيس الأركان؟! أليس الأجدر به أن يصرح بأن الخائن (من وجهة نظره) أخذ جزاءه؟!

رئيس بيلاروسيا ينصح بوتين بعدم اغتيال زعيم فاجنر
ورغم هذه التساؤلات نجد أنفسنا أمام تصريح يدعم هذا الاحتمال، وهو للرئيس البيلاروسي يوم 28/06/2023 بأنه نصح بوتين بعدم تصفية يفغيني بريغوجين زعيم فاجنر، وأكد له يومها أن جيش بلاده يمكن أن يستفيد من خبرات قوات فاجنر التي تتمتع بحرية اختيار الانتقال إلى البلاد الآن وفقا لاتفاق مع الكرملين يسمح لبريغوجين وبعض مقاتليه بالذهاب إلى بيلاروسيا، وهو ما حدث.
وقال: "اقترحت على بوتين ألا يتعجل. وقلت له لنتحدث مع بريغوجين، ومع القيادات لديه، ليرد قائلا إنه لا فائدة من هذا وإنه لا يرد حتى على الهاتف، لا يريد التحدث لأحد".
ولكن هذا الاحتمال سقط بمجرد دخول بيلاروسيا وسيطا، ونجحت في وأد التمرد، وعودة يفغيني بريغوجين للانصياع لروسيا.
مصرع يفغيني بريغوجين الإنجاز الرئيسي لأوكرانيا
ثم نجد تصريحا ثالثا يجب أن توضع في إطار، وهي لسيرغي ماركوف مستشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السابق، حيث قال إن مصرع بريغوجين هو الإنجاز الرئيسي لأوكرانيا، وسيفرح جميع أعداء روسيا بهذا الخبر.
وهذا التصريح نقطة ضوء في الغمامة التي تحيط بالأمر، فبمقتله تخسر روسيا بالفعل قوة ضاربة كانت وراء انتصارات للجيش الروسي في حربه ضد أوكرانيا، وفي طموح بوتين بإفريقيا، خاصة أن مقتله قد يؤدي إلى تمرد واسع النطاق من جانب مقاتليه وفقا لكلام رئيس بيلاروسيا؛ ما يعني أن هذا التصرف سيفاقم الأزمة.
وفي أواخر يونيو الماضي نجحت وساطة رئيس بيلاروسيا في وقف التمرد وانصياع قائد فاجنر للقوات الروسية وقتها، وشكره يومها بوتين على العمل الذي قام به.

بايدن: لم أفاجأ وكنت أمارس الرياضة
ثم تأتي جملة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه لم يفاجأ بتحطم الطائرة الخاصة في مقاطعة تفير الروسية، والتي كان مؤسس مجموعة فاجنر يفغيني بريغوجين، ضمن قائمة ركابها؛ لتلمح إلى اتهام السلطات الروسية بالضلوع في هذا الأمر، ولكن مثل هذه الجملة متوقعة من دولة تحارب روسيا بالوكالة؛ لذا لن تفرق كثيرا، ولن تكون ذات تأثير.

focus: هل أوكرانيا رواء مقتل يفغيني بريغوجين؟
رغم أن التحقيقات حول أسباب الحادث لا تزال جارية، إلا أن السلطات الروسية رجحت أن يكون وراء الحادث هجوما أوكرانيا، ولكن لمايكولا بيليسكوف، الباحث في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية أكد أن الحادث لا علاقة له بكييف من قريب أو من بعيد؛ لأسباب أهمها أن أوكرانيا ليست على علم بخط سير بريغوجين، مرجحا أن يكون تخطيط الحادث داخل روسيا، كما أنها لا تهاجم العمق الروسي بالصواريخ، وإنما بالطائرات المسيرة، مرجحا أن إقحام كييف إنما لصرف الأنظار عن الجاني الحقيقي، خاصة أن أوكرانيا لن تستفيد من مقتله؛ لأنه بعيد عن الساحة العسكرية بعد محاولة انقلابه الفاشلة.
ورغم استبعاد أوكرانيا، إلا أنها خاضت في الأمر، حيث قال ميخايلو بودولياك مستشار الرئاسة الأوكرانية إن الرئيس الروسي كان ينتظر هذه اللحظة للتخلص من بريغوجين.
وأضاف أنها إشارة من بوتين للنخب الروسية قبل انتخابات عام 2024 بأن عدم الولاء يساوي الموت، على حد قوله.

لماذا يستحيل تورط السلطات الروسية في قتل بريغوجين؟
استبعد أوليغ أرتيوفسك، الباحث في الشأن الدولي بمؤسسة فولسك العسكرية أن يكون الحادث مخطط داخلي للتخلص من زعيم فاجنر؛ لأسباب، أهمها:
- أنه تم عقاب بريغوجين باستبعاده عن المعارك في أوكرانيا.
- الحادث وقع في منطقة تعرضت لعدة هجمات من مسيرات أوكرانية خلال الأسابيع الماضية؛ ما يضع احتمالية تورطها في الحادث.
- كييف تحاول استغلال الحادث؛ لخلخلة الثقة بين القادة العسكريين، وهو نهج يتبعه الغرب منذ فترة.
- قتل زعيم فاجنر على أيدي قوات روسية يضرب العلاقة بين روسيا وبيلاروسيا؛ لأنها الضامن لاتفاق إنهاء التمرد والخروج الآمن.
- استثمار الحادث لتشويه صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دوليا.