الحادثة

جرائم بروح العصر.. الذكاء الاصطناعي في خدمة الجريمة المنظمة (1)

جرائم بروح العصر.. الذكاء الاصطناعي في خدمة الجريمة المنظمة (1)

إنسان آلي - روبوت
إنسان آلي - روبوت

مما لا شك فيه أن الجرائم تتطور من عصر لآخر، فالجريمة قديمًا تختلف تمامًا عن الوقت الحاضر، وأقصد بالاختلاف هنا طريقة ارتكاب الجريمة ووسائلها، وليس القصد الجنائي أو أركان الجريمة وغير ذلك من المسائل القانونية التي لا مجال لتناولها في هذا المقام. 

في ظل التطور التكنولوجي الكبير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشؤون العسكرية، حرصت جماعات الجريمة المنظمة على استغلال هذا التطور في إرتكاب الجرائم المنظمة وعدم حرمان آذاننا من الاستماع لقصص جرائم يتم ارتكابها بأساليب أكثر تقدمًا وإحترافية.

قبل الخوض في الحديث عن استغلال التطورات التكنولوجية في الجريمة المنظمة وتطويع الذكاء الاصطناعي لأغراض إجرامية، ينبغي لنا توضيح ماهية الذكاء الاصطناعي ونشأته واستخداماته وتطبيقاته العسكرية.

مفهوم الذكاء الاصطناعي

إنسان آلي - روبوت

عند التَّطرق إلى موضوع الذكاء الاصطناعي يحسب المرء أن هناك تعريفاً واضحاً ومحدَّداً له يستطيع من خلاله الإلمام بمهامه وخصائصه واستخداماته، إلا أن تعدد تطبيقاته واستخداماته قضى بأن لا يقتصر التعريف به على نصٍ محدَّد له بل تعدَّدت تلك التعاريف بتعدّد أنواعه والمهام المنوطة به، ويعتقد البعض ان الذكاء الاصطناعي مرادف لأي شكل من أشكال الذكاء، ويؤكدون على أنه ليس من المهم أن يتم التوصل الى هذا السلوك الذكي عبر نفس الآليات التي يعتمد عليها البشر، بينما يرى آخرون أنه يجب أن تكون انظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على محاكاة الذكاء البشري، وحري بنا الآن استعراض عدد من تعريفات الذكاء الاصطناعي (Artificial intelligence).

يُعرف الذكاء الاصطناعي بأنه العلم الخاص ببرمجة الحواسيب وتأهيلها للقيام بمهام مشابهة للمهام التي يقوم بها البشر، مثل: التعلم، الاستنباط، واتخاذ القرارات، وهذا العلم هو أحد العلوم المتفرعة من علم الحاسوب، وقد ورد في قاموس الموسوعة العربية للكمبيوتر والانترنت أن الذكاء الاصطناعي يُقصد به دراسة كيفية توجيه وبرمجة الحاسب الآلي ليقوم بأداء ذات الاشياء التي يؤديها الإنسان، ولكن بشكل أفضل وأدق، ويهدف هذا النوع من الذكاءات الي بناء برمجيات قادرة على أداء سلوكيات توصف الذكاء عند قيام الانسان بها، ويُعرف مارفن منسكي الذكاء الاصطناعي بأنه العلم القادر على بناء آلات تؤدي مهام تتطلب قدر من الذكاء البشري عندما يقوم بها الإنسان.

الذكاء الاصطناعي ومحاكاة العقل البشري

الإنسان والذكاء الاصطناعي

يمكننا تعريف الذكاء الاصطناعي أيضا بأنه قدرة الآلة على محاكاة العقل البشري وطريقة عمله، سواء من حيث القدرة على التفكير، او من حيث القدرة على الاكتشاف والاستفادة من التجارب السابقة، ومنذ التطوّر الذي شهده جهاز الحاسوب في منتصف القرن العشرين، تمَّ التأكد من قدرة الحاسوب على القيام بالمهمات المعقدة للغاية، إذ يمكنه اكتشاف الإثباتات للنظريات الرياضية المعقدة، بالإضافة لقدرته الفائقة على لعب الشطرنج بمهارة كبيرة، وبالرغم من الايجابيات الكثيرة التي تقوم بها الآلة من سرعة في معالجة البيانات، إضافة الي سعتها التخزينية العالية، إلا أنه وحتى الآن لا يوجد برنامج واحد يمكنه مجاراة مرونة العقل البشري، وتحديدا فيما يتعلق بالمهمات والمواقف اليومية والحياتية التي تتطلب التعامل معها بشكل تلقائي. وتجدر الإشارة الي وجود بعض التطبيقات التي استطاعت أن تضاهي مستوى أداء الخبراء والمحترفين بالقيام بمهمات محددة، ومن هذه التطبيقات المحدودة التي استطاعت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي القيام بها هي التشخيص الطبي، محركات بحث الحاسوب وقدرته على التعرف على الصوت والكتابة اليدوية.

آلات ذكية مثل البشر

إنسان آلي - روبوت

إن الذكاء الاصطناعي يمثل المجال العام الذي يغطّي كافة الأمور المتعلقة بإكساب الآلات صفة "الذكاء"، وذلك من خلال منح الآلات القدرة على التعلم عن طريق التجربة والتعامل الذكي والتأقلم مع المعطيات الجديدة التي تحصل عليها، بهدف دفع هذه الآلات إلى محاكاة قدرات التفكير المنطقي الفريدة عند البشر، والذي بدوره يمكنها من تنفيذ المهام المطلوبة حتى ولو كانت في ظروف جديدة كلياً، أو كانت مهام جديدة كلياً (أي لم تنفذها من قبل)، فالذكاء الاصطناعي يمكن الآلة من التفكير وتنفيذ المهام على طريقة البشر، وذلك في كافة المجالات، منها على سبيل المثال، مجال التعليم الآلي (Machine learning)، وهذا النوع من التعليم يمثل فئة ضمن المجال الأوسع للذكاء الاصطناعي، وهو يختص بمنح الآلات القدرة على "التعلم". يتحقق ذلك عن طريق استخدام خوارزميات تستوعب كل البيانات التي تحصل عليها، وتتعلم منها بشكل عميق يمكنها من اكتشاف الأنماط، وتولد الأفكار انطلاقاً من البيانات التي تعرض عليها، باستخدام أكثر من تكنولوجيا مثل التعلم العميق (deep learning)، أو الشبكات العصبية (neural network)، وذلك لتطبيقها على عمليات اتخاذ القرار والتنبؤات المستقبلية، وهي عملية تتجنب الحاجة إلى برمجة الخطوات بطريقة مخصصة لكل إجراء ممكن بمفرده.

مراحل تطور الذكاء الاصطناعي

تطور الذكاء الاصطناعي

يُخطئ من يظن أن الذكاء الاصطناعي مفهومًا جديدًا، بل أنه مفهوم قديم ذات جذور تمتد إلى العصور اليونانية، ولكنه لم يصبح حقيقة قابلة للتصديق، ولم ينتقل من حيز الخيال العلمي إلى أرض الواقع إلا مع بداية انطلاق الثورة التكنولوجية، أي منذ أقل من قرن، وتحديدا على يد عالم الرياضيات البريطاني "آلان تيورنج" (Alan Turing)، والذي يعود اليه الفضل في إجراء بعض الاختبارات التي تحدد مدى قدرة الآلة على مجاراة الإنسان في تفكيره، وبالرغم من أن أفكاره كانت مَثار سخرية في زمانه، إلا أنه كان أول من أتى بفكرة الآلات ذات القدرة على التفكير، وقد كانت أفكاره بمثابة الخطوة الأولى على الطريق، وبعد وفاة "آلان"، حَمل العالم المُختص بالعلوم المعرفية "مارفن منيسكي" (Marvin Minsky) شعلة الذكاء الاصطناعي، وفي منتصف خمسينيات القرن الماضي، وتحديدا في عام 1959، قام بالمشاركة في تأسيس معمل خاص بالذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستيس للعلوم والتكنولوجيا، وذلك بعد أن دخل مصطلح "الذكاء الاصطناعي" إلى الوعي الجمعي، وفي الثمانينيات، أثار انتشار الحواسيب الشخصية اهتمامًا أكبر بالآلات التي تفكر، وبعد عقدين من الزمن ادراك البشر أخيرا القدرات الخارقة للذكاء الاصطناعي.

‌الذكاء الاصطناعي بين الماضي والحاضر

تاريخ ظهور الذكاء الاصطناعي يمكن ربطه بمختلف المحاولات التي بذلها العلماء لأجل اختراع آلات ذكية تدخل ضمن المؤسسات والشركات الحاضنة لهم، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، عمد مجموعة من الباحثين من مختلف الاختصاصات على بلورة مشروع بحثي مشترك أطلقوا يحمل اسم "الذكاء الاصطناعي"، ويجمع هذا المشروع بين البرهنة الرياضية على المبرهنات والترجمة والألعاب، وكان ذلك في العام 1956، وفي الفترة الممتدة بين 1956 و1960، تمكن الباحثان سيمون ونويل من وضع برامج علمية وتقنية حول إيجاد حلول عامة للمشاكل، أو ما يعرف (GPS)، وقد تركزت الأعمال حول برامج الترجمة الآلية.

في العام 1958، قام الباحث "برسبتون روزانبلات" بابتكار آلة تحاول محاكاة الوظائف التي يقوم بها الدماغ، وبعد ذلك بعام واحد فقط، وتحديدا سنة 1959، قام الباحث "ماكارثي" بتطوير اللغات الأساسية للبرمجة الخاصة بالذكاء الاصطناعي، أما الفترة التي امتدت بين 1960 و1965، فقد اتسمت بوجود الكثير من المساعي التي تهدف الي هيكلة البحوث المتعلقة بالموضوعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتم التركيز على لعبة الإخفاقات وفق المقاربة الرياضية المنطقية التي تبحث عن ترجمة النشاط البشري من خلال نماذج مجردة وتستعمل برامج ألعاب ووفق الاستبطان والملاحظة الداخلية.

الإنسان وقصة الاعتماد على الآلة باعتبارها جهاز "ذكي"

وفي النصف الثاني من العقد السادس من القرن الماضي، وتحديدا ما بين 1965 و 1970، قدم بار- هليل تقرير متعلق بإخفاق الترجمة الآلية، وقد شهدت هذه الفترة تراجعا كبيرا في البحوث المتعلقة بالآلات المنظمة في الشبكات، وعاد الحديث عن مسألة تمثل المعرفة وطرق استثمار المنطق، وذلك بعد طبع كتاب الباحث "مينسكي وبابرت"، وفي العام 1970، صدر العدد الأول من صحيفة الذكاء الاصطناعي، وقد تميزت الفترة بين 1970 و1978 بالثراء في البحوث والاتساع في المواضيع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وبدأ الإنسان في تلك الفترة يعول على الحاسوب لكي يقوم بأفعال ذكية عندما يريد أن يصف عالم مغلق أو عالم صغير، وأصبح يوظف المباحث حول تمثل المعرفة في وصف المواضيع التي يتكون منها العالم والعلاقات بينها، وفي الفترة ما بين 1978 و 1984، تطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مذهل وسريع، وتعددت أنساق التمثل والخوارزميات، وتمكنت من إيجاد حلول للمشاكل المثارة وظهر الذكاء الاصطناعي الرمزي، ولم تعد التجديدات التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي حاضرة بقوة على الصعيد الإعلامي بعد العام 1984، ففي تلك الفترة بدأ التوجه نحو الاستخدام الصناعي للمنفعة الاجتماعية، وتوجه الباحثون آنذاك نحو العمل الأكثر فائدة تقنية، وقد تطور هذا الاختصاص عبر خمس مراحل.

برامج تعتمد على الذكاء الاصطناعي

العقد الخامس من القرن الماضي، شهد  تفاؤلًا كبيرًا ناتج عن التغلب على الكثير من المشاكل وإيجاد حلول للصعوبات وظهور الترجمة الآلية والبرهنة على النظريات والاعتراف بالأقوال وصنع ألعاب الإخفاقات، أما العقد السادس من القرن الماضي، شهد هذا العقد انطلاقة سريعة للاختصاص من خلال إطلاق عدد هام من المشاريع والحصول على نتائج معتبرة من اعتماد البحث الاستكشافي والنسق العام لمعالجة المشاكل.

في العقد السابع من القرن الماضي، يناسب هذا العقد انفجار الأعمال التي سمحت بتركيز أسس الذكاء الاصطناعي في مجال تمثل المعارف وامتلاك مهارات التفكير والاستدلال وفهم الكلام الطبيعي وأنظمة الخبراء وصنع الإنسان الآلي المتطور. أما في العقد الثامن من القرن الماضي، يمثل هذا العقد الدخول الرسمي للذكاء الاصطناعي للحياة الاقتصادية من خلال انجازات تطبيقية لافتة في ميادين محددة وتحقيق معدلات تنمية مشجعة وتزايد المجهود البحثي عن طريق المشاريع الصناعية.