الجريمة المنظمة والطائفية في نيجيريا (5)
مقتل 8 آلاف وتشريد 200 ألف.. نرصد بالوثائق ضحايا الشغب الطائفي في نيجيريا

إذا ما تحدثنا بشيء من التفصيل عن الجريمة المنظمة في شمال غرب نيجيريا، يتبين أن أعداد عصابات الجريمة المنظمة قد تضاعفت كثيرًا في تلك المنطقة، فأي باحث في شؤون الجريمة المنظمة في نيجيريا يلحظ وجود نشاط واضح ومكثف لجماعات الجريمة المنظمة في شمال غرب نيجيريا.
نتيجة لانتشار عصابات الجريمة المنظمة في تلك المنطقة، ظهرت العديد من الصراعات بينها؛ مما أدى إلى مقتل أكثر من 8000 شخص خلال المدة (2011 – 2020)، وتشريد أكثر من مائتي ألف، فر بعضهم إلى النيجر المجاورة، ورغم العديد من العمليات الأمنية وجهود الحوار، إلا أن السلام الدائم لا يزال بعيد المنال، فالعنف متجذر في التنافس على الموارد بين الرعاة الذين يغلب عليهم الفولاني ومعظم مزارعي الهوسا.
تفشي الطائفية وتصاعد حدّة العمليات الإجرامية المنظمة
تصاعدت حدة العمليات الإجرامية في نيجيريا، وتحديدًا في شمال غرب البلاد، وانتشرت أشكال ومظاهر جديدة للجريمة المنظمة، تمثلت في سرقة الماشية والخطف من أجل الحصول على فدية ومداهمات القرى، وضاعف من حدة الأزمة الأمنية في تلك المنطقة تدخل الجماعات الإرهابية لتحقيق مكاسب خاصة بها في ظل تدهور الأوضاع الأمنية، وغالبًا ما تشير السلطات إلى هذه العصابات على أنها "قطاع طرق".

أعمال الشغب بين المسلمين والمسيحيين
لم تقتصر عمليات العنف في شمال غرب نيجيريا على عصابات الجريمة المنظمة، بل شهدت المنطقة العديد من الاشتباكات الطائفية وأعمال الشغب بين المسلمين والمسيحيين، وخلال المدة (2011 – 2015) شهدت ولايتا كادونا وكانو العديد من التفجيرات وإطلاق النار من قبل طرفي الصراع، ففي عام 2011 تصاعدت أعمال شغب عرقية وطائفية خلفت أكثر من 1000 قتيل و74000 نازح، وفي 20 يناير 2012 شهدت المنطقة أحداث عنف دامية تركت خلفها 185 قتيلا من أهالي مدينة كانو.
كما أدى التنافس في ولاية كادونا الجنوبية بين الهوسا والفولاني، من ناحية، والعديد من المجموعات العرقية الأصغر، من ناحية أخرى، على المكاتب السياسية والموارد الاقتصادية وثمار الإنفاق الحكومي، إلى أعمال عنف متكررة أدت لسقوط العديد من الضحايا في صفوف الأطراف المتصارعة.
المناطق الريفية الأكثر تعرضًا لأحداث العنف والعمليات الإجرامية
منذ عام 2014 تصاعدت وتيرة العنف في شمال غرب نيجيريا، وازدادت الأوضاع سوءًا بسبب انتشار العصابات الإجرامية وجماعات الجريمة المنظمة التي تزدهر في تلك المنطقة المكتظة بالأسلحة، والتي تكافح قوات الأمن الحكومية للسيطرة عليها.

ولاحظ الباحثون في شؤون الجريمة المنظمة في نيجيريا نشاطا كثيفا لأحداث العنف والعمليات الإجرامية في المناطق الريفية، خاصة في ولاية زامفارا إلى ولايات كانو وكادونا وكاتسينا وكيبي وسوكوتو في الشمال الغربي، وحتى ولاية النيجر في شمال وسط نيجيريا. وتشير العديد من التقارير إلى مقتل ما لا يقل عن 8000 شخص خلال المدة (2011 – 2020)، لكن هذه الإحصائيات غير دقيقة، إذ إن سجلات الوفيات الدقيقة غير متوفرة.
تقدر بعض الجهات الحكومية في نيجيريا أن عدد مقاتلي الميليشيات والمجرمين والمتمردين الموجودين في شمال غرب نيجيريا وحدها يزيد عبى عشرة آلاف، إلا أنه لا توجد أرقام موثوقة تؤكد ذلك، وأوضحت مصادر أخرى أن هذه الأرقام متحفظة، ففي ولاية زامفارا وحدها، تعرضت 13 منطقة من مناطق الحكومة المحلية الأربعة عشر لأحداث عنف من قبل الجماعات المسلحة خلال المدة (2014 – 2020).
"بوكو حرام" إلى شمال غرب نيجيريا دُر
مما يزيد من خطورة الأزمة إعلان السلطات المحلية أن فرعين من جماعة بوكو حرام الإرهابية يسعيان للتوجه لتلك المنطقة، بعد تمكن الجماعة من إقامة علاقات وثيقة مع المجتمعات المتضررة، فضلا على نجاحها في استمالة الجماعات الراديكالية الأصغر في الولاية، لا سيما في مونهاي وتسافي وزورمي وشينكافي وكورا نامودا، ويُعد تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا هو النموذج الأمثل لهذه المجموعات الأصغر.

بداية من عام 2019 شهد الشمال الغربي في نيجيريا عددا من الهجمات التي استخدم فيها الجناة شعارات دينية اعتنقتها جماعات راديكالية في شمال نيجيريا سابقًا، وفي نهاية هذا العام أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي على القوات النيجيرية في ولاية سوكوتو، وفي 14 يناير 2020 أعلنت حركة أنصار مسؤوليتها عن الهجوم المسلح على موكب الحاج عمر بوبارام، أمير بوتيسكوم، على الطريق السريع كادونا زاريا؛ مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص، إلى جانب تمكن الحركة من اختطاف آخرين، وتمكنت السلطات الأمنية في 5 فبراير 2020 من اقتحام أحد معسكرات الحركة في غابة كودورو، في منطقة بيرنين غواري بولاية كادونا، وقتل أكثر من 250 عضوا من عناصرها.
وخلال المدة (2010 – 2020) شهد الشمال الغربي انفجارًا في النشاط الإجرامي المنظم في ظل انتشار البنادق وسلاح الهوسا والفولاني، وظهرت العديد من جماعات الجريمة المنظمة التي تمركزت في غابة كاموكو في كادونا، وغابة فالغور في كانو، وغابة دانسادو في زامفارا، وغابات دافين روجو الممتدة عبر ولايات كادونا وكاتسينا وزامفارا.
الجرائم المفضلة لدى عصابات الجريمة المنظمة
تحقق عصابات الجريمة المنظمة إيرادات كبيرة من خلال الانخراط في عمليات الخطف؛ من أجل الحصول على فدية ومداهمة المجتمعات للنهب عبر الشمال الغربي.
وخلال المدة (نوفمبر 2011 – مارس 2020) تمكنت هذه العصابات من اختطاف أكثر من 3600 شخص في الولاية؛ من أجل الحصول على الفدية، وغالبًا ما تقوم هذه الجماعات بنصب كمين للمسافرين على الطرق السريعة؛ مما يؤدي إلى قتل أولئك الذين يقاومون أو الذين تفشل أسرهم في تلبية مطالبهم.
كما اعتادت العصابات الإجرامية مهاجمة وسرقة عمال مناجم الذهب، لا سيما في زامفارا، التي شهدت انفجارًا في إنتاج الذهب الحرفي في الرواسب المنتشرة في جميع أنحاء الولاية. ومع استمرار العصابات في جني عائدات مهمة من استهداف مناجم الذهب، فإن التداعيات الأمنية على زمفارا والشمال الغربي كبيرة، وهناك معارك متكررة بين الجماعات المسلحة المتناحرة على أراضي التعدين، وينظم المهاجمون العنف أيضًا بهدف تخويف السكان وعناصر أمن الدولة من مناطق التعدين من أجل السيطرة؛ مما يؤدي إلى مزيد من نزوح السكان والحد من هيمنة القوات الأمنية التابعة للدولة في تلك المنطقة.
وخلال 2020 تحولت عصابات الجريمة المنظمة من عمليات الاختطاف الفردي إلى الاختطاف الجماعي الذي انتشر وبصورة كبيرة، إذ شهدت المنطقة العديد من عمليات الاختطاف الجماعية في ذلك العام، وحاولت جماعة بوكو حرام تبرئة نفسها من هذه العمليات من خلال الادعاء بأن عمليات الاختطاف الجماعية الأخيرة التي شهدتها المنطقة في تلك الفترة قامت بها العصابات المسلحة التي تُعرف باسم أنسارو، وهي جماعات إجرامية انفصلت عن بوكو حرام في عام 2012.
يذكر أن هذه الجماعات قامت سابقًا بشن عدد صغير من الهجمات المعقدة في ولايتي كادونا وكاتسينا الشمالية الغربية، ويُعتقد أن هذه المجموعة حشدت المظالم المحلية التي عانى منها رعاة الفولاني لتجنيدهم تحت راية أيديولوجية، وشهدت ولاية كادونا الواقعة في شمال غرب نيجيريا ما يقرب من ثلاثة أضعاف حوادث العنف التي تورطت فيها الجماعات المسلحة في العام الماضي، وأسفرت أحداث العنف البالغ عددها 220 عن مقتل ما يقرب من ألف شخص. علاوة على ذلك تم اختطاف ما يقرب من 400 شخص من أجل الحصول على فدية، ودمرت مئات المجتمعات المحلية؛ مما تسبب في تشريد أكثر من 50000 شخص.