الجريمة المنظمة والطائفية في نيجيريا (3)
شعرة معاوية في نيجيريا.. ماضي دام بين ثالوث الشعب ومستقبل على حد سكين

شهدت نيجيريا قبل الإعلان عن استقلالها توترات طائفية وأحداث عنف طاحنة، وذلك نظرًا لتعدد المجموعات العرقية واللغوية المتنوعة والمتنافسة أحيانًا، لا سيما في منطقة دلتا النيجر المنتجة للنفط، إذ تستخدم كل من الدولة والقوات المدنية أساليب متنوعة ومختلفة من التدابير القسرية بهدف السيطرة على الموارد البترولية الإقليمية، وبسبب التوسع في استخراج النفط، عانت مجموعات إثنية كبيرة مثل شعب الأوغوني من ضرر بيئي حاد في مناطقهم.
نيجيريا بعد الاستقلال .. دولة طائفية بائسة

في العـام 1960م تم الإعلان عن استقلال نيجيريا عن المستعمر البريطاني، وحينها شكلت نيجيريا جمهورية تقوم على الاتحـاد الفيدرالي، وكعادة الاستعمار في غالبية الدول الافريقية، قام قبل خروجه من نيجيريا بتقسيمها طائفيًا إلى ثلاث ولايات كبرى، وهي: ولايات: الشمال والشرق والغرب، فضلا عن وجود جماعات وأعراق أخرى متباينة إثنياً وطائفيًا وعرقياً، ونتيجة التقسيم الإثني الذي خلفه الاحتلال فإن نيجيريا شهدت صراعات وحروبًا بين مكوناتها العرقية بغية الحصول على نفوذ سياسـي ومكاسـب اقتصادية، مما عرض البلاد للتقسيم على أساس القبلية والجهوية، وقد تمثل ذلك بوضوح فـي إعلان دولة (إيبـو) جمهورية بمنطقة (يافرا) في وسط وجنوب نيجيريا، في أيام حرب (يافرا)، إلا أن القوات العسكرية تمكنت من ضبط المنطقة واسترجاعها.
نتيجة لهذه الأحـداث، زاد عـدد الأقاليم بنيجيريا لتبلغ حوالى 12 إقليماً فيدرالياً وذلك في عام 1967م، وتمتع كل إقليم بصلاحيات واسـعة، هذه الصلاحيات مكنتها من تحقيق نوع من الاستقلالية تحت ولاية ووصاية السلطة المركزية للبلاد، والتي يقودها رئيس السلطة التنفيذية، ويعاونه في ذلك وزراء الفيدرالية وبرلمـان فيدرالي يتكون من مجلس النواب والشيوخ، وللعلم فإن الأقاليم الفيدرالية بلغ في الوقت الحالي 36 إقليماً، وتتم إدارة شؤون هذه الأقاليم عن طريق الحكومـات المحلية، فضلا عن السلطة التشريعية المكونة من مجلس النواب في الولاية.

وبتدقيق النظر إلى الوضعية السياسية في نيجيريا؛ نجد تولي الحكم من قبل رؤساء من قبائل مختلفة عبر النظم العسكرية والمدنية التي توالت على حكم نيجيريا، إذ سيطر القادة العسكريون على حكم البلاد منذ عام 1966م حتى العام 1979م، ثم تولت مقاليد الحكم بعد ذلك حكومة مدنية، إلا أن القادة العسكريين أطاحوا بتلك الحكومة مرة أخرى في عام 1983م.
أوليسيجون أوباسانجو أول رئيس منتخب من قبائل اليوروبا
وفي نهاية الثمانينيات، وبالتحديد في عام 1999م، أخذت الحكومة خطوات جادة نحو تسليم السلطة لحكومة مدنية، وقد كان ذلك بانتخاب "أوليسيجون أوباسانجو" كأول رئيس منتخب من قبائل اليوروبا، والذي كان كان قبل ذلك حاكماً عسكرياً للبلاد حتى عام 1979 م، وأعيد انتخابه في 2004 م، ثم خلفه "عمر يارادوا" في انتخابات عام 2007 م، الرجل الذي ينتمي إلى قبائل الهوسا، والذي توفي في مايو من العام 2010 م، وحل محله نائبه "جودلاك جونثان"، الذي تم انتخابه في أبريل من العام 2011 م رئيساً للبلاد لمدة أربع سنوات.
واستنادًا إلى ما سبق؛ فالصراع السياسي والتنافس التقليدي في نيجيريا بين القبائل الأساسية الثلاث (الهوسا والأيبو واليوروبا)، يظل الفاعل الرئيسي المهيمن على مجريات الأحداث في نيجيريا جميعها، رغم أننا قد ذكرنا أن الصراع في الأساس كان من تداعيات الحقبة الاستعمارية، لكن تتجلى مظاهر هذا الصراع السياسي بوضوح في العنف المتبادل بين كافة الأطراف.
ولعل الانقلابات العسكرية المتبادلة فى نيجيريا أكبر دليل على الصراعات القبلية من القادة العسكريين المنتمين إلى هذه القبائل الثلاث، وقد بدأت هذه المظاهر مبكرا عندما اغتيل الرئيس "جونسون أجيلي إرونسي" الذي ينتمي لقبائل الإيبو، لتتوالى الانقلابات بعد ذلك بين جنرالات كل من قبائل الهوسا، الإيبو، اليوروبا، ليتولى السلطة بعد ذلك من قبيلة الهوسا كلًا من: شيخو عثمان عليو شكري، فى المدة من العام 1979 م حتى العام 1983 م، محمد بخاري، في المدة من العام 1983 م حتى العام 1985 م، إبراهيم بابانجيدا، فى المدة من العام 1985 م حتى العام 1993 م، ساني أباتشي، فى المدة من العام 1993 م حتى العام 1998 م، عبد السلام أبو بكر، فى المدة من العام 1998 م حتى العام 1999 م.
ومن قبيلة اليوروبا تولى الحكم كلا من: إرنست شونيكان، الذى تولى الحكم لفترة مؤقتة فى المدة من أغسطس 1993م حتى نوفمبر من نفس العام، أولوسيجون أوباسانجو، فى المدة من العام 1999 م حتى العام 2007 م، بينما تولى حكم نيجيريا من قبيلة الإيبو، الرئيس بنيامين نامدي أزيكوي، الذي يعد أول رئيس لنيجيريا فى المدة من العام 1963م وحتى 1966م، وفي العام 2011 م، كان الحكم من نصيب قبيلة الايجاو، إذ تولى الرئاسة "جودلاك جونثان"، وقبيلة الإيجاو هي إحدى الجماعات العرقية الكبيرة المشهورة فى نيجيريا، والتي تحتكر العمل السياسي أيضًا إلى جانب القبائل الأساسية في البلاد (الهوسا فولاني والايبو واليوروبا).

ومنذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1970م، لم تتوقف بعض أعمال العنف التي تحمل في طياتها طابعًا إثنيا، وطبقت الحكومة الاتحادية بعض الإجراءات الصارمة لمكافحة العنف ذي الطابع الديني في الأجزاء التي اكتسحها في نيجيريا، الأمر الذي قلل من أعمال العنف في هذه المناطق، وللعلم فإن مسابقات ملكة جمال العالم 2002م نقلت من أبوجا النيجيرية إلى لندن بسبب المظاهرات العنيفة للمسلمين في الجزء الشمالي من البلاد والتي خلّفت ما يقرب من 100 قتيل ونحو 500 جريح، كانت غضبة التظاهرات بسبب تصريحات لمراسل صحفي، يُقدّر أن المتظاهرين المسلمين في كادونا قتلوا 105 رجلًا، وامرأة، وطفلًا مع تعرض 521 لجروح اضطرتهم لدخول المشفى.
منذ العام 2002 م، شهدت البلاد عنفًا طائفيًا كبيرًا للغاية بسبب جماعة بوكو حرام، وهي حركة تسعى منذ نشأتها لإلغاء نظام الحكم العلماني - كما يسمونه - وإقامة حكم الشريعة في البلاد، في العام 2010، وللعلم فإنه قد قُتل أكثر من 500 شخص في مدينة جوس بسبب العنف الديني.
جماعة بوكو حرام تقتل 73 ألف شخص
وفي المدة الواقعة بين 2011 م و 2018 م، تسببت جماعة بوكو حرام بمقتل أكثر من 73 ألف شخص في المنطقة بين رجال ونساء وأطفال، فلم تفرق أهداف الجماعة بين المدنيين وقوات الأمن النيجيرية، وفي مايو 2014 م، انضمت بنين، والكاميرون، وتشاد، والنيجر إلى نيجيريا في جهد مشترك لمواجهة جماعة بوكو حرام في أعقاب اختطاف شيبوك في عام 2014 م والذي أسفر عن خطف الجماعة الإرهابية لـ 276 طالبة.
وفي أبريل 2016 م، قتل رعاة الفولاني أكثر من 500 شخص في 10 قرى تابعة لمنطقة أوغاتو التي تتسم بأن معظم سكانها من المسيحيين. بعد معاينة المكان، أفاد أحد أعضاء مجلس الشيوخ بأن الدمار قد حاق بجميع المدارس الابتدائية، والإعدادية، والمراكز الصحية، ودور العبادة وكذلك مركز الشرطة في المنطقة. وصرحت في هذا الوقت ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنها خلال 20 عامًا قضتها في عملها، لم تشهد مثل هذا المستوى من الدمار والخراب بحسب قولها، وفي فبراير 2019، ذُبح 130 شخصًا من البالغين والأطفال من المنتمين لإثنية الفولاني في ولاية كادونا.
لعل مـن أخطر الأزمات التي شهدتها نيجيريا فى تاريخها اندلاع الحرب الأهلية، والتى عرفت بحرب بيافرا سنة 1967م، وما عقبها من أزمات؛ كأزمة (دلتا النيجـر) التي نشبت بصراع محتدم حول استغلال الخيرات النفطية التـي تختزنها تلك المنطقة، ولـم تتوقف الأزمـات السياسية فى نيجيريا عند هذا الحد، بـل زادت بتنامي قوة بعض الجماعات الإسـلامية؛ كجماعـة (بوكو حرام) التي دخلت في صراعات عنيفة للغاية مع السلطة الحاكمة، وسوف نتناول كافة هذه الموضوعات بالتحليل والدراسة في ثنايا هذه الدراسة.
اقرأ أيضا: «الكاف» ينعش خزينة الأهلي بـ 123 مليون جنيه بعد التتويج بالأميرة السمراء