الجريمة المنظمة في غرب أفريقيا (3)
قتلى بالآلاف وتشريد الملايين.. عصابات الجريمة المنظمة في بورنو تهدد دول الجوار

لم تقتصر تداعيات انتشار الجريمة المنظمة في ولاية بورنو النيجرية على الداخل المحلي وحسب، بل امتدت أثارها السلبية إلى دول الجوار وكامل منطقة غرب إفريقيا، خاصة الكاميرون، ففي ظل توغل عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية في بورنو، تحولت تلك المنطقة إلى جسر أرضي يربط بين المسلحين في الشمال الشرقي حول بحيرة تشاد وأولئك الذين ينشطون في غرب النيجر.
توغل تنظيم الدولة الإسلامية في مالي والنيجر
تم التأكد من أن تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعمل في مالي والنيجر وبوركينا فاسو هو ذات التنظيم الذي يعمل في غرب أفريقيا، إذ تم التحالف بين عناصر التنظيم في بحيرة تشاد مع عناصره في منطقة الساحل تحت راية واحدة، إذ ارتبط على الأقل بشكل رمزي بحركات التمرد في جميع أنحاء غرب أفريقيا، وقد يسعى المسلحون من كلا المنطقتين إلى تعميق روابطهم العملياتية أيضًا، ويسعى مقاتلي التنظيم منذ عام 2018 إلى فتح ممر من شمال مالي عبر بلدة دوغوندوتشي في النيجر إلى شمال غرب نيجيريا، وإلى شمال بنين في الغرب.
وقد استغلت الجماعات الإرهابية وجماعات الإجرام المنظم الطبيعة الجغرافية القاسية في غرب أفريقيا والمتغيرة موسميًا في التنقل عبر الحدود إلى الكاميرون لشن غارات وهجمات انتحارية في أقصى الشمال إذ يوجد تواجد عسكري كاميروني محدود، وخلال 2019، شهد شمال الكاميرون أكبر موجة عنف شنتها جماعة بوكو حرام في حوض بحيرة تشاد، وتحديدًا في شكل هجمات على المدنيين، وقفز عدد حوادث العنف المرتبطة بجماعات الإرهاب والجريمة المنظمة في نيجيريا بنسبة 52% خلال العام 2019.
ارتفاع وتيرة المعارك في نيجيريا
تزامن تصاعد العنف في أقصى الشمال مع زيادة المعارك بين الجماعات الإسلامية المتشددة وقوات الأمن النيجيرية على الجانب النيجيري من الحدود، ومن المرجح أن يكون الضغط المتزايد في نيجيريا قد أجبر هؤلاء المسلحين على الدخول إلى الكاميرون، إذ تتحرك جماعة بوكو حرام عبر سلسلة جبال ماندارا في المنطقة المحيطة بمورا إلى الشمال، كما تتحرك الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا إلى المنطقة المحيطة بالحدود التشادية في نفس الوقت، بالقرب من فوتوكول، ما يؤكد الأبعاد الإقليمية لهذا التهديد الأمني.
ويمكننا تتبع مواقع النزاع المسلح وبيانات حوادث العنف التي تنطلق من نيجيريا لتهدد دول الجوار، خلال الفترة (2009 – 2020)، من خلال الشكل التالي:

يرصد هذا الشكل حوادث العنف التي تنطلق من نيجيريا لتهدد دول الجوار، خاصة النيجر والكاميرون وتشاد، خلال الفترة (2009 – 2020)، ويظهر لنا من هذا الشكل أن الكاميرون هي أكثر الدول تضررًا من أحداث العنف القادمة من نيجيريا، تليها النيجر، ثم تشاد، وقد أوضح المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، أن حوالي 59% من أعمال العنف المبلغ عنها في الكاميرون، كانت في شكل هجمات ضد المدنيين، وخلال 2019 بلغ عدد الهجمات ضد المدنيين في الكاميرون نحو (234)، بينما وصل العدد في نيجيريا (100)، وهو أقل من عدد الهجمات في الكاميرون، رغم انطلاق هذه الهجمات من أحد ولايات نيجيريا، وبلغ عدد الهجمات في النيجر (92)، وفي تشاد (12)، وتتكون هذه الهجمات من مداهمات جماعة بوكو حرام، والخطف للتجنيد والفدية، ونهب القرى ومخيمات النازحين.
غضب دولي بسبب الهجمات
خلال 2020، شعرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بالغضب جراء الهجوم الإرهابي على المخيم الذي يستضيف نازحين في الكاميرون، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 18 شخصًا، وأدانت المفوضية بشدة الهجوم الوحشي غير المبرر على موقع يستضيف 800 نازح داخلي بالقرب من قرية نغويتشي في منطقة أقصى شمال الكاميرون، وقد أسفر الهجوم عن فرار حوالي 1500 شخص من المخيم، بمن فيهم سكان القرية المضيفة المذعورين، إلى بلدة موزوغو المجاورة طلباً للأمان، وقد جاء هذا الهجوم في أعقاب ارتفاع كبير في حوادث العنف في منطقة أقصى الشمال بالكاميرون، بما في ذلك أعمال النهب والاختطاف من قبل جماعة بوكو حرام وغيرها من الجماعات المسلحة النشطة في المنطقة.
تشريد 3 ملايين مواطن ونزوح 207 ملايين آخرين
يُعدّ هذا الحادث تذكيرًا محزنًا بكثافة ووحشية العنف في منطقة حوض بحيرة تشاد الأوسع، والتي أجبرت أكثر من ثلاثة ملايين شخص على الفرار، كما نزح 2.7 مليون داخليًا في شمال شرق نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر، بينما فر 292.682 لاجئًا نيجيريًا إلى البلدان المجاورة، ومنذ يناير 2020 حتى نهاية العام، سجلت الكاميرون وحدها 87 هجومًا لجماعة بوكو حرام على حدودها الشمالية مع نيجيريا، وكان اثنان وعشرون منهم في منطقة موزوغو الشمالية وحدها، وأودت هذه الهجمات العنيفة بحياة ما يزيد عن 30 ألف شخص، كما شردت أكثر من 3 ملايين في نيجيريا والكاميرون والنيجر وتشاد.
وفي ظل تزايد الهجمات الإجرامية على المدنيين في تلك المنطقة، تحذر العديد من التقارير الدولية من المخاطر المتزايدة للعصابات الإجرامية على نيجيريا وجيرانها، خاصة بعد انتقال أعمال العنف والجريمة المنظمة من الداخل النيجيري إلى دول الجوار، وقد حثت هذه التقارير الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات في نيجيريا، بدعم من الشركاء الدوليين، على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء العنف في شمال غرب البلاد، وقد حللت هذه التقارير العنف المسلح في هذه المنطقة وفصلت آثاره الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، كما قيّمت ردود الحكومة الفيدرالية النيجيرية وحكومات الولايات في المنطقة مع تسليط الضوء على المخاطر الأمنية الناشئة، وحددت أيضًا مجموعة من الاستراتيجيات لإنهاء العنف، ومنع تمرد جديد وبناء سلام دائم.