الجريمة المنظمة في اليابان (2)
ماذا تعرف عن عصابة الياكوزا اليابانية وعلاقتها بتحقيق التنمية المستدامة؟

لا يمكننا الحديث عن تأثير عصابة الياكوزا على مستقبل اليابان وعلى عملية التنمية المستدامة في هذا البلد دون استعراض التجربة اليابانية في التنمية المستدامة والتي تُعدّ من التجارب الرائدة والمفيدة للعديد من المجتمعات وتحديداً المجتمعات النامية، ومما لا يخفى على أحد أن اليابان اعتمدت في نهضتها على التعليم، فهي أدركت منذ البداية الضعف الشديد في مواردها الطبيعية، ولذا لجأت للتعليم باعتباره السبيل الوحيد للنهضة والتنمية الشاملة، ولهذا شهد العالم النقلة الكبيرة في الاقتصاد الياباني والتي فسرها المؤرخون بأنها جاءت بسبب انتشار التعليم ومحو الأمية، هذا فضلا عن انتشار التعليم العالي، إذ كانت اليابان رغم تقدمها ترسل البعثات للدول المتقدمة للاستفادة من خبرات هذه الدول.

وتصنف اليابان اليوم ضمن أقوى اقتصاديات العالم، كما أنها من الدول المتطورة جداً في مجال التكنولوجيا وصناعة الروبوت، وقد اختارت اليابان لنفسها بعد الحرب العالمية الثانية منهجاً للتنمية يحافظ على مناخ الاستقرار السياسي والاجتماعي، فاعتمدت على تنمية قطاع الصناعة ووجهت إليه جل اهتمامها، ووضعت البرامج التنموية وخصصت مبالغ طائلة للأبحاث والتطوير لتنمية القطاع، كما أنها حرصت على تنمية الصناعات الصغيرة، والتي لعبت دوراً هاما في نمو وازدهار الاقتصاد الياباني، إذ وفرت فرص للعمالة واحتفظت بدور رائد في جميع قطاعات الصناعة، وقد تعايشت هذه الصناعات الصغيرة جنباً إلى جنب مع المنشآت الصناعية الكبرى في البلاد.
ويمكننا القول بصفة عامة أن النمو الاقتصادي في اليابان قد سار عبر ثلاث مراحل محددة، أولها: مرحلة إعادة بناء الاقتصادي (1945 – 1960)، وثانيها: مرحلة النمو الاقتصادي المتسارع (1960 – 1970)، والمرحلة الثالثة هي مرحلة تحقيق الاستقرار الاقتصادي (1970 - حتى الآن).
يوجد العديد من العوامل والمقومات الأساسية التي أدت إلى نجاح اليابان في المشرعات الصناعية، ويمكننا تناول المقومات الأساسية للنهضة اليابانية على النحو التالي:
الاهتمام بالمشروعات الصغيرة
بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، آمنت القيادة السياسية في اليابان بضرورة تشغيل اكبر عدد ممكن من القوى العاملة اليابانية لتحقيق معدلات إنتاجية عالية وتحقيق زيادة في الدخول، وبناء على ذلك تم النظر إلى المواطن الياباني من جانبيين: أحدهما: جانب الإنتاج، وذلك من خلال عمله، والأخر جانب الاستهلاك والادخار، وذلك من خلال الدخل الذي يحصل عليه، وبذلك تمكنت اليابان من زيادة الإنتاج واستمراريته والتجديد فيه.
وضع القوانين والتشريعات التي تنظم أنشطة المشروعات الصغيرة والمتوسطة
نتيجة لاهتمام الدولة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، حرصت القيادة السياسية في البلاد على وضع القوانين والتشريعات التي تنظم أنشطة هذه المشروعات، ويُعد القانون رقم 154 الصادر في عام 1963م، من أهم هذه القوانين، والذي صيغت في ظله السياسات التي أعطت أولوية لحل المشكلات المالية وتخفيف القيود التي تواجه الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وقد وضع هذا القانون تعريفا قوميا موحدا متفق عليه للصناعات الصغيرة، سواء لمشروعات الإنتاج السلعي أو الحرفي، وذلك من حيث قيم رأس المال المستثمر وحجم القوى العاملة فيها.
وجود سیاسات خاصة بتحديد وتطوير الصناعات الصغيرة
في ظل وجود القوانين والتشريعات التي تنظم أنشطة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، تم اتخاذ تدابير لمساعدة الصناعات الصغيرة بهدف تحديث وتحسين هياكل الإنتاج من خلال عقد برامج تحدد في ظلها القطاعات الصناعية التي تحتاج هذا التحديث، أو تلك الصناعات ذات الطابع التصديري، فالسياسات الخاصة والتحديث والتطوير تقترن بتحديث الآلات والمعدات والتشجيع على استخدام التكنولوجيا المتطورة ووضع السياسات لدعم المنشآت الصغيرة وتسهيل الإجراءات الإدارية والقوانين المنظمة للصناعات الصغيرة، وتحديث البنية الأساسية للأماكن التي ستقام بها تلك المشروعات، والاهتمام بالرقابة على تحقيق الجودة.
هذا إضافة إلى العديد من المقومات الأخرى، مثل: توافر البنيان المؤسسي بأشكاله التنظيمية المختلفة، وتوافر البرامج والمساعدات في مجال التمويل، واهتمام الدولة اليابانية، بعد الحرب العالمية الثانية، بوضع سياسة التعاقد من الباطن، وهي سياسة تهدف إلى منع استيراد بعض مستلزمات الإنتاج، مما يدفع المصانع الصغيرة إلى إنتاج وتصنيع ما منع استيراده.