الجريمة المنظمة في اليابان (1)
الياكوزا.. أخطر عصابات الجريمة المنظمة في اليابان | صور وانفوجراف

في اليابان، حيث التكنولوجيا المتطورة والتقدم، يوجد شبح من إرث الماضي، هذا الشبح يهدد مجد اليابان وتقدمها، وينذر بكارثة لا تُبقي ولا تذر، إنها الياكوزا، واحدة من أخطر عصابات الجريمة المنظمة في العالم إن لم تكن أخطرها، بل هي في الحقيقة تجمع لمجموعة كبيرة من المنظمات الإجرامية في اليابان، وتُعرف هذه المنظمات أيضًا باسم جوكودو.

تمارس الياكوزا شتى أنواع الجريمة المنظمة التي تؤثر -لا محالة- على عملية التنمية المستدامة في اليابان على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورغم التأثير الإيجابي والجانب الخيرّ لبعض ممارسات عصابات الياكوزا على الفرد والمجتمع والذي يشمل توزيع الطعام وتوفير الحماية وغيرها من المتطلبات الأساسية للناس في ظل غياب دولة ليس لديها القدرة أو الإرادة لتوفيرها، إلا أن هذه الإيجابيات تكون على المدى القصير وحسب، أما على المدى الطويل فان الجريمة المنظمة التي تمارسها تلك العصابات تؤثر في قوة الدولة وقدرة المجتمع على بناء مؤسسات قوية أو العودة إلى الحالة العادية.
في هذه الدراسة سوف نتناول عصابة الياكوزا، نشأتها وأسباب شهرتها، وكذلك تأثيرها على التنمية المستدامة في اليابان، معتمدين في ذلك على المنهج التحليلي الوصفي، من أجل تحليل ظاهرة الجريمة المنظمة وتفكيكها، ومن ثم بيان أثرها على التنمية المستدامة في اليابان.
الياكوزا.. سر التسمية
يطلق مصطلح الياكوزا (やくざ) على المنظمات الإجرامية في اليابان، وتُعرف هذه المنظمات أيضًا باسم جوكودو، وهو لفظ أطلق على الأشخاص المهمشين في المجتمع، ويرجع أصل كلمة ياكوزا (Ya-Ku-Za) إلى لعبة أوراق يابانية قديمة تسمى "هانافودا" (Oicho-Kabu)، وتعتمد هذه اللعبة على قيام كل لاعب بتلقى ثلاثة أوراق لعب، والذي يقوم بسحب الأوراق ذات الأرقام (3 و 8 و 9) يكون مصيره الخسارة الحتمية واللا شيء، ومن هنا تم اشتقاق الاسم، بما معناه "جيد في لا شيء".

عصابة تقدس الوشم
يتميز أفراد عصابات الياكوزا برسم أوشام يابانية قديمة على أجسادهم، وتُعدّ هذه الاوشام بمثابة هوية تميزهم عن غيرهم من باقي أفراد المجتمع الياباني.

يدل الوشم على شجاعة الفرد وقوته وجسارته، ولذا فان نصيب كل فرد من الوشم يُقدّر بقدر شجاعته وعلو منزلته في الياكوزا، فإذا كان جسده كله موشوم فذلك يدل على رتبته العالية.

الياكوزا.. عصابات من العصور الوسطى
تعود جذور المافيا اليابانية إلى العصور الوسطى، وتحديداً القرن الثامن عشر الميلادي، خلال فترة "إيدو"، وهي الفترة التي تطورت فيها مجموعات المقامرين وتجار الشوارع وتحولت إلى عصابات إجرامية منظمة، وهناك من يعتقد أنها تعود إلى السابع عشر الميلادي، وكونت هذه العصابات آنذاك اسراً تُدعى كابوكيمونو (傾 奇 者)، وكان أسلاف المافيا الحاليين يسمون بـ "بوريكودان"، وهم رجال الساموراي العاطلين (رونين)، والرونين عبارة عن مجموعة من المحاربين بلا أسياد، وهم مجموعة من محاربي الساموراي الذين أجبروا على البطالة في فترة السلام، والذين كانوا ينتظمون في جماعات تمارس العديد من الجرائم في مختلف المجالات بشكل غير قانوني، بدءًا من العقارات إلى غسيل الأموال، والاتجار بالبشر، السلب والنهب والسرقة، وقطع الطرق.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، نجحت الياكوزا في التحكم في الأموال داخل اليابان، وذلك من خلال ممارسة العديد من الجرائم المنظمة المتمثلة في غسيل الأموال، الاحتيال، تهريب المخدرات والأسلحة، إدارة شبكات البغاء، وازدادت أنشطتها العابرة للحدود، وتمكنت من فرض سطوتها في جنوب شرق آسيا والفلبين، وبرغم خطورة هذه العصابات، إلا أن الدولة اليابانية استخدمتهم في فرض سطوتها وتدعيم قبضتها، وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، أدرك الأميركيون سريعاً خطورة "الياكوزا" وقوة سطوتها على المجتمع الياباني، وتشكيلها لسلطة خفية وفاعلة يحققها عدد أفرادها الذي يفوق عدد أفراد رجال الشرطة اليابانية، كما حدث في أميركا نفسها حيث كانت المافيات قد عززت مواقعها منذ نهاية القرن التاسع عشر وازدهرت نشاطاتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبنهاية الخمسينيات، تعاظم نفوذ هذه العصابات في اليابان واصبحت القوة المهيمنة على المجتمع الياباني، وازداد اعضائها في الخمسينيات والستينيات، وهذا ما أدى إلى تعديل أساليب العصابات القديمة وشعائرها وعقوباتها عبر وحشية فترات الحرب، ليمسك بها الياكوزا بطريقة أفضل أو البوريوكودان كما تسميها السلطات اليوم، وفي اليابان يوجد أكثر من 20 عشيرة من الياكوزا، أكبرها ياماغوشي - غومي، سوميسي - كاي وإيناغاوا - كاي، حيث يشكل أعضاء هذه العشائر ما نسبته 70% من أعضاء الياكوزا، والتي بلغ عدد أعضائها خلال السنوات السابقة ما بين 80 ألف إلى 110 آلاف شخص، ووصل دخلها في عام 2015 إلى أكثر من 80 مليار دولار، وبعد أن تعاظم نفوذ هذه العصابات داخل اليابان وخارجها، وخرجت عن السيطرة، بدأت الحكومة اليابانية في التوجس منها والدخول في حرب معها حتى ضعفت تدريجياً لدرجة الأنهيار، وما زال الكثير من عصابات الياكوزا تتعرض لملاحقات جنائية حتى الآن.

وفي مطلع العام 2022، تقلص عدد أفراد عصابات الجريمة المنظمة نتيجة للملاحقات الأمنية من السلطات اليابانية ليبلغ نحو 24100 فرد، أي بانخفاض نحو 1800 فردًا مقارنة بمطلع العام الماضي، وذلك وفقًا للتقرير الصادر عن وكالة الشرطة الوطنية اليابانية.
