رغم تقديم ما يثبت خيانة الزوجة
«الطفل للفراش».. السبب وراء رفض دعاوى إنكار النسب في محاكم الأسرة

"الطفل للفراش" قاعدة فقهية وشرعية معمول بها داخل كل محاكم الأسرة، منذ عقود طويلة، لحفظ حقوق الطفل، وهو الهدف الأساسي من هذه القاعدة الشرعية، وهو ما أثار جدلًا كبيرًا بسبب الحكم الخاص، بأحد القضايا التي أقامها الزوج، ينكر فيها نسب أبنائه الثلاث، بعد زواج دام 11 عامًا، إلا أن المحكمة رفضت هذه الدعوى استناداً إلى هذه القاعدة الفقهية الثابتة، في هذا النوع من الدعاوى، ولم تعتد بتحاليل الحمض النووي، التي قام بها الزوج للأبناء، ولم توافق على طلبه بإجراء الطب الشرعى تحليل dna.
جدل قاعدة «الطفل للفراش»
هذه القضية، وإن أحدثت جدل كبير، إلا أن محاكم الأسرة بداخلها نماذج كثير أصعب من هذا النموذج بكثير، من بينها قضية شك فيها الزوج بخيانة زوجته له، وقام بجمع كل الأدلة التي تؤكد أن زوجته خانته بالفعل، وأن أبنائه من الشخص الذي تخونه معه، وقام بتقديم هذه المستندات والتسجيلات إلى المحكمة، ولكن الحكم جاء برفض دعوى إنكار النسب التي أقامها الزوج، واستندت الدعوى في رفضها إلى نفس القاعدة الفقهية المعمول بها "أن الطفل للفراش"، طالما عقد الزوجية قائم بين الرجل والمرأة بعقد زواج شرعي وقائم، وأن الحمل حدث خلال هذه الفترة.
من الوقائع الغريبة أيضاً، كانت لشخص بعد سنوات من زواجه، وإنجابه أطفالًا، اعترفت له زوجته أن الأطفال الذين عاش معهم طيلة حياته، ليس أولاده، وأنه شخص عقيم لا ينجب، فقام الزوج برفع دعوى إنكار نسب للأبناء، ولكن الحكم فيها كان بالرفض أيضاً، الغريب أن هذا الزوج يشعر أنهم أبنائه، فقد عاش معهم سنوات وشعر معهم بشعور الأبوة، لدرجة أنه يبكي من أجل رؤيتهم مرة أخرى، برغم تأكده من أنه عقيم لا ينجب، وأن هؤلاء لا يمتون له بصلة من قريب أو بعيد.
من بين الوقائع الأخرى، واقعة كانت بالمصادفة، هي التي قادت أب الزوج، لاكتشاف خيانة الزوجة، عندما سمعها تتحدث مع شخص غريب في الهاتف، ومن خلال هذه المكالمات تأكد من خيانة زوجة ابنه لابنه، فقام بمراقبتها لفترة وتأكد من أن هذه العلاقة قائمة لسنوات قبل زواج ابنه من هذه السيدة، وجمع كل الأدلة التي تفيد بأن هذه العلاقة قائمة، وقدمها إلى المحكمة التي لم تعتد بها ورفضت دعوى إنكار النسب.
مطالب بتغير قاعدة «الطفل للفراش»
القانونيون طالبوا بتغيير هذه القاعدة الفقهية، لكونها ظهرت قبل اكتشاف تحليل الحمض النووي، والبصمة الوراثية، وهو الدليل الذي يتم الاعتماد عليه لإثبات مدى مطابقة الصفات الوراثية من الأب مع الابن، وبالتالي تقطع الشك باليقين ببنوة هذا الطفل من عدمه، لأن قاعدة أن الطفل للفراش تسببت في ظلم كبير لعدد من الأزواج، نسب إليهم أطفال ليسوا أبنائهم، وعلاقة النسب هذه يترتب عليها الميراث في الأب.
حيث قال وائل نجم المحامي، أن المحكمة تحكم في قضايا إنكار الأزواج للنسب، بموجب قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ)، فيفهم منه أن الولد ينسب للزوج الذى ولد على فراشه وبذلك يثبت وصف الأبوة له شرعًا، ومعنى الفراش أي الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة.
من حين ابتداء الحمل فمن حملت وكانت حين حملت زوجة يثبت نسب حملها من زوجها، من غير حاجة إلى بينة منها أو إقرار منه، وهذا النسب يعتبر شرعا ثابتا بالفراش.
ولفت نجم أن هذه القاعدة الفقهية استندت إلى الشرع في قول ابن القيم: فَأَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ فَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ".
وقال ابن الأثير إثبات النسب وإلحاقه بالفراش المستند إلى عقد صحيح أو ملك يمين، مذهب جميع الفقهاء، لم يختلف فيه أحد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين وغيرهم، واختلف العلماء في الزاني إذا أراد استلحاق ابنه من الزنا به هل يثبت نسبه له شرعاً أم لا
دعوى الملاعنة
كشف نجم أن الحل الوحيد، أمام الزوج، هو إقامة دعوى تسمى الملاعنة، وتقام طبقا لنص المادة 78 من قانون أحكام الأسرة، التي تنص على أن للرجل أن ينفي عنه نسب الولد بالملاعنة خلال سبعة أيام من وقت الولادة، أو العلم بها بشرط، ألا يكون قد اعترف بالنسب صراحة أو ضمنا.
لأن اللعان لا يقتصر على نفى الولد فقط، بل يشمل نفي الحمل أيضا، فإذا كان المدعي يقصد نفي الولد بعد ولادته فيشترط عدم علمه بالحمل أصلا.
جاء اللعان بين الزوجين في كل من الحديث والسنة، فقال سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) الآية (6) / سورة النور
أما الحديث النبوي الشريف فقد قيل أن هلال بن أمية اتهم زوجته بالزنا عند الرسول فقال: (البيِّنةُ أو حدٌّ في ظهرِك) فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على زوجته رجل ينطلق يلتمس البيّنة، فاستمر الرسول يكرر بطلب البيّنة حتى قال هلال والذي بعثك بالحق نبيّاً إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزلت آية اللعان
كما لفت نجم أن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، ويبقى النظر في كل واقعة بملابساتها، فإذا كان الولد يضيع ديناً أو دنياً، فالأخذ بأولوية مصلحة حفظه وهي مصلحة شرعية.
مقاصد شرعية
أما المستشار أنور الرفاعي، فقال أن الآراء التي تطالب بتعديل نص أن "الولد للفراش"، والاعتماد في دعاوى إنكار النسب بتحليل الحمض النووي، هو أمر يفتح باب لفساد مجتمعي كبير، وخاصة بالنسبة للأطفال مجهولي النسب، لأن هذا التحليل ليس بالدقة التي يتخيلها البعض، فيمكن الاعتماد عليه في إثبات النسب فقط وليس في إنكاره.
أضاف الرفاعي أنه في مثل هذه الحالات لماذا لا يكون الأب رحيم، فهو قد عاش مع هؤلاء الأطفال، وشعر معهم بمشاعر الأبوة الحقيقية، حتى لو لم يكونوا أبنائه، فلماذا يقوم بالتشهير بهم، بدافع الانتقام من الزوجة، مشيراً أن قاعدة الولد للفراش تحفظ الأبناء وتحفظ الزوجات أيضاً، من فتح باب دعاوى إنكار النسب والمزيد من مجهولي النسب بالمجتمع.