الدكتور حمادة شعبان يكتب: الأزهر والوعي بأهمية اللغة العربية

يقول الكاتب الإنجليزي "جورج أورويل" في روايته المسماة 1984 (رواية مصنفة ضمن أفضل 100 رواية إنجليزية في عام 2005) إن الأمم تنهار بانهيار لغاتها.
اللغة والوعي
وهي لمن يتأملها عبارة مهمة وشديدة العمق، ما أحوج شعوبنا العربية إلى النظر إليها وتأملها بعين فاحصة، لا سيما في وقتنا الحالي الذي يُفرّط فيه البعضُ في اللغة العربية، ويحرص على تعليم أبنائه اللغات الأجنبية. ليس هذا فحسب بل يعتبر البعض أن إجادة ابنه لغة أجنبية وتحدثه بها أفضل من تحدثه لغته الأم مدعاة للفخر والتباهي في المجالس وأمام الناس، بل طلب أحدهم مني أن أبحث له عن مترجم حديث التخرج ليحضر مع ابنه درس القرآن الكريم لأن الشيخ لا يجيد الإنجليزية، والطفل يحتاج إلى معرفة معاني بعض الكلمات العربية التي يحفظها. وحكت لي مديرة مدرسة خاصة أن إحدى أولياء الأمور طلبت منها العمل على إلغاء مادة اللغة العربية من المدرسة، والاكتفاء بتدريس اللغات الأجنبية لأسباب من المؤسف أن تصدر من شخص من المفترض أنه يتحلى بالهوية العربية.
والغريب في الأمر أن بعض هؤلاء حريص أشد الحرص على تحفيظ أبنائه القرآن الكريم وأداء الصلوات الخمس في أوقاتها والمشاركة المادية في مساعدة الفقراء والمحتاجين وغيرها من المبادئ الدينية والقيم التي اشتُهر بها العرب وصارت جزء من خصوصيتهم، الأمر الذي يدل على أن عدم اهتمامه باللغة العربية ليس بغضًا لها، وإنما هو قلة وعي بأهميتها في تكوين الهوية، وإلا لو كان يبغض اللغة العربية ما استمر في تحفيظ ابنه القرآن الكريم الذي يعد الضامن لبقاء هذه اللغة وعدم اندثارها.
وهنا يأتي دور التوعية بكافة أنماطها الإعلامية والتعليمية والفنية، وإبراز أهمية اللغة العربية وضرورة الحفاظ عليها، باعتبارها جزء من الهوية العربية.
فالهوية وفقًا لبعض الآراء هي مثلث من ثلاثة أضلاع هي اللغة والدين والتاريخ. واللغة هي الضلع الأهم والوعاء الذي يحوي بداخله الضلعين الآخرين، ومن ثم يستوجب الحفاظ على الدين والتاريخ الحفاظ على اللغة التي كُتبا بها.
ولو رجعنا إلى الماضي ونظرنا في تاريخ أمتنا العربية لوجدنا أن قوى الاحتلال في القرن الماضي وما قبله سعت بكل قوتها إلى محو الهوية العربية للشعوب، وكانت أول خطوة في محو هذه الهوية هي إضعاف اللغة العربية عن طريق اعتماد لغة المحتل لغة رسمية للشعوب المحتلة، من أجل قطع صلة هذه الشعوب بماضيها وتراثها، وفي الوقت ذاته ترسيخ علاقاتها بتلك القوة المحتلة وهويتها وثقافتها. ودارسو اللغات الأجنبية يعرفون تمامًا مدى قوة العلاقة العاطفية التي تربط طالب اللغات بالشعوب والبلدان التي يدرس لغاتها.
واستنادًا إلى هذه العلاقة نرى في عصرنا الحاضر سعي كثير من دول العالم القوية إلى التأثير اللغوي والثقافي في دول العالم الثالث، ومن ثم أنشأت فيها مدارس وجامعات أنفقت عليها مئات الملايين من الدولارات، ودول أخرى ابتكرت مؤسسات تأثير لغوي وثقافي تحت مسميات مختلفة، ودول ثالثة تقدم آلاف المنح الدراسية للطلاب الأجانب من مختلف الدول وتستضيفهم في جامعاتها لدراسة لغتها والتعرف على ثقافاتها، في مشهد يؤكد أن سمة التأثير في عصرنا الراهن لم تعد قوى مالية وعسكرية فحسب، إنما صارت قوة لغوية وثقافية أيضًا، وهذا ما دفع بعض الدول إلى تعديل آلياتها في التأثير على الشعوب التي كانت تحتلها في الماضي، لا سيما بعد بروز قوى اقتصادية جديدة في العالم، مختلفة عن القوى التقليدية، ولها آليات مستحدثة استطاعت من خلالها التأثير اقتصاديًا عن طريق التأثير ثقافيًا في كثير من دول آسيا وإفريقيا.
ولغتنا العربية هي لغة الإسلام والقرآن، ومن ثم ليست لغة منغلقة على ذاتها أو خاصة بالعرق العربي وحده، وإنما تهم جميع المسلمين في العالم الذين يتشوق كثير منهم إلى معرفة معاني القرآن الكريم الذي يحفظه البعض عن ظهر قلب، وفي الوقت ذاته يجهل معانيه.
كما يُعد الأزهر الشريف مؤسسة دينية وتعليمية عربية هي الأهم في عالمنا الإسلامي، وهو أقدم وأعرق من جميع المؤسسات التعليمية سالفة الذكر، وله تاريخ أصيل وخبرة عميقة في استضافة طلاب البعوث من الدول الأجنبية، ويعد الالتحاق به حلمًا لآلاف الشباب المسلم حول العالم، ولذا ينبغي دعمه باعتباره قوة تأثير ناعمة مهمة لمصرنا الحبيبة.
تابع أحدث الأخبار عبر