وداعًا «عمدة الدراما» صلاح السعدني.. أدوار لا تنسى

رحل عن عالمنا اليوم الجمعة 19 أبريل 2024، الفنان القدير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً فنياً حافلاً بالأعمال المميزة التي أثرت السينما والتلفزيون والمسرح المصري والعربي. في هذا الموضوع نستعرض مسيرة صلاح السعدني الفنية وأشهر أعماله.
وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عاماً
توفي اليوم الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا، كان خبر وفاته بمثابة صدمة كبيرة للوسط الفني المصري والعربي، حيث نعاه العديد من الفنانين والمشاهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معبرين عن حزنهم الشديد لفقدان أحد أهم أعمدة الفن المصري.
وُلد صلاح السعدني في مدينة السويس عام 1943م ، وبدأ مسيرته الفنية في أواخر ستينيات القرن الماضي، وقدم خلال مسيرته التي امتدت لأكثر من 50 عاماً ، ما يقرب من 200 عمل فني تنوعت بين السينما والتلفزيون والمسرح.

مسيرة الفنان صلاح السعدني الفنية وموهبته الاستثنائية
تميز الفنان صلاح السعدني بتنوع أدواره وتجسيده لشخصيات مختلفة ، حيث تمكن من إتقان مختلف الأدوار، من الدراما والتراجيديا، تاركاً بصمة مميزة في كل عمل قدمه ، تجسد في أعمال الفنان الكبير صلاح السعدني روح الشعب المصري بكل تنوعاتها ومكوناتها ، فقد أتقن تجسيد الشخصية المصرية بكل حالاتها من الحزن والسخرية والغضب المكتوم وخفة الدم ورغبة في الحكي.
كان السعدني بمثابة مرآة عكست واقع المجتمع المصري بكل تفاصيله ودقائقه. فقد نجح في التعبير عن مشاعر البسطاء وهمومهم وتطلعاتهم بشكل واقعي ومؤثر.
لم يقتصر إبداع السعدني على إتقان الأداء فقط، بل تميز بقدرته على التقمص الشخصية وإيصال مشاعرها بشكل عميق وتلقائي. فقد استطاع أن يجعل الجمهور يعيش مع الشخصية ويشعر بآلامها وأفراحها ، و تجسد في أعمال الفنان الكبير صلاح السعدني روح ابن البلد الحقيقية، فهو لم يكن مجرد ممثل يؤدي الأدوار، بل كان جزءاً من كل شخصية يجسدها، معيشاً تفاصيلها بشكل عميق وتلقائي.

تميز السعدني بقدرته على إتقان الألعاب الدرامية المختلفة، من الكوميديا للدراما والتراجيديا. فقد أبدع في تقديم أعمال تتنوع بين السينما والتلفزيون والمسرح، تاركاً بصمة خاصة في كل عمل قدم، ولم يقتصر إبداع السعدني على إتقان الأدوار فقط، بل تميز بقدرته على دمج الشخصية في روحه وثقافته، مما أضفى عليها واقعية ملموسة وقرباً من الجمهور.
اتسم أداء السعدني بخفة الدم المصرية الخالصة، فقد استطاع دمج الكوميديا في أعماله بشكل ذكي وتلقائي، مما زاد من متعتها وجذب الجمهور إليها، كما امتلك السعدني مدرسة خاصة به في الأداء، فقد تميز بانضباطه وتحكمه في درجة الانفعال، مستخدماً وجهه كأداة أساسية للتعبير عن مشاعره.
كما أبدع في استخدام صوته لتعزيز أدائه وإيصال رسائله بشكل فعال.
بدأ السعدني حياته الفنية ممثلاً مغموراً في أدواره، فقد استطاع استنباط المجهول من المعلوم والعكس في كل شخصية قدمها. وتمكن من تقليب الأدوار ببراعة، منتقلاً من قمة الغضب إلى قمة الضحك ومن اليأس إلى الأمل بسهولة وسلاسة، ونجح في الجمع ما بين المتناقضات في أدواره، مما أثري أعماله وخلق أبعاداً جديدة لشخصياته ، فقد قدم شخصيات مصرية حقيقية عاشت مع الجمهور وتفاعلت معه.
أصبح أداء السعدني لبعض الشخصيات ماركة مسجلة باسمه، فقد ارتبط اسمه بشخصية العمدة سليمان غانم التي قدمها في مسلسل "أبو العروسة"، على الرغم من أن هذه الشخصية قدمتها من قبله، وفي دراسة للناقد عمرو دوارة نُشرت في كتاب "صلاح السعدني .. ابن الحلم واليقظة"، وصف دوارة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني بصفات فنية نادرة لا توجد في أغلب الفنانين معاً، أبرزها إتقان أداء الأدوار المختلفة، إذ تميز السعدني بقدرته على إتقان أداء الأدوار الميلودرامية والتراجيدية بنفس كفاءة أدائه للأدوار الكوميدية التي برع واشتهر بها.
كما أبدع السعدني في التمثيل باللغة العربية الفصحي بنفس درجة تميزه في التمثيل باللهجة العامية، وامتلك السعدني حضوراً قوياً محبباً وتمتع بذلك التوهج الفني والتمكن الواضح من مختلف مفرداته الفنية، وتميز السعدني بخفة الظل والقدرة على خلق الابتسامات وتفجير الضحكات وإشاعة جو من البهجة، كما حرص السعدني بشكل كبير على تنوع أدواره وتجنب الوقوع في دائرة النمطية أو تكرار بعض الشخصيات الدرامية، وتميز كممثل بالقدرة الكبيرة على الارتجال بما يتناسب مع المواقف المختلفة مع مهارة عدم الخروج عن أبعاد وملامح الشخصية الدرامية.
تجسدت موهبة الفنان الكبير صلاح السعدني بشكل فطري لا يخطئه أحد. فمنذ بداياته المبكرة، أبهر الجمهور بقدراته الاستثنائية وتجسيده للأدوار ب إتقان مذهل، وكانت أولى محطات تألقه في خماسية "الساقية" التي كتبها الأديب عبد المنعم الصاوي. فقد جسد السعدني دور "الأخرس" ببراعة لا مثيل لها ، وتمكن من إقناع الجمهور بإعاقته اللفظية بشكل تام، ما يُعد شهادة على مدى إتقانه للشخصية واستيعابه لتفاصيلها الدقيقة.

لم يقتصر إبداع السعدني في هذا العمل على إتقان الأداء فقط، بل تميز بقدرته على التعبير عن مشاعر الشخصية وأحاسيسها بعمق وتلقائية.
فقد نجح في نقل معاناة "الأخرس" وإحباطه ورغبته في التواصل مع العالم بشكل مؤثر لا ينسى. أثبت السعدني من خلال هذا الدور أنه ممثل استثنائي يمتلك موهبة فطرية لا يمكن مضاهاتها ، فقد وضع بصمة خاصة في ذاكرة الجمهور ولفت انتباه النقاد والمخرجين إلى إمكاناته الهائلة.
مع مرور السنوات، استمر السعدني في إثبات موهبته من خلال أعماله العديدة في السينما والتلفزيون والمسرح. فقد قدم أدواراً متنوعة جسدها ببراعة وتميز، مما جعله أحد أهم نجوم الفن المصري والعربي، وتألق الفنان الكبير صلاح السعدني على خشبة المسرح بنفس الإبداع الذي تميز به في السينما والتلفزيون ، وقدم السعدني حوالي (35) مسرحية، تنوعت أدوارها بين الكوميديا والدراما والتراجيديا.
وفقاً للناقد أحمد خميس الحكيم في كتابه عن السعدني، تميزت أدوار السعدني المسرحية بالسخرية الذكية الممزوجة بالكوميديا الراقية ، واستطاع أن يُضفي على أعماله لمسة خاصة من روحه المرحة القريبة من سهرات السمر الشعبية والحكي الساخر، ومن أبرز أمثلة هذا النمط دوره في مسرحية "الملك هو الملك" مع المخرج مراد منير ، وجسد السعدني دور "أبوعزة المغفل" ببراعة لا مثيل لها. وتمكن من إضحاك الجمهور بشكل هستيري من خلال سخرية ذكية ومواقف كوميدية طريفة.
يُعد صلاح السعدني أحد أهم الفنانين المصريين الذين أثروا الفن العربي بأعمالهم المتميزة وإبداعهم اللافت ، وتميز السعدني بصفات فنية نادرة جعلت منه ممثلاً استثنائياً حفر اسمه بأحرف من ذهب في ذاكرة الجمهور، لقد رحل عن دنيانا الفنان العظيم صلاح السعدني مخلفاً إرثاً فنياً غنياً سيظل خلوداً في ذاكرة الجمهور، كان فناناً استثنائياً أثر في الفن المصري بشكل كبير.
