في ذكرى ميلاده.. أسرار وحكايات الشيخ الشعراوي

الشيخ الشعراوي من أهم رموز الإسلام المعتدل في مصر والعالم العربي، تميز بأسلوبه السهل الممتع في شرح الدين، وقدرته على ربطه بالحياة اليومية، كما أنه كان داعيًا للتسامح والمحبة بين الناس، ونابذًا للتعصب والفرقة. في ذكرى ميلاد إمام الدعاة، نستعرض أسرار وحكايات فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي –رحمه الله-.
نشأة إمام الدعاة الشيخ الشعراوي وحياته
ولد الشيخ محمد متولي الشعراوي عام 1917 في قرية دقادوس بمحافظة الدقهلية، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم التحق بالأزهر الشريف، وتعلم علوم الدين الإسلامي والفقه واللغة العربية. حصل على شهادة العالمية مع مرتبة الشرف الأولى، وبعد تخرجه عمل الشيخ الشعراوي إمامًا وخطيبًا في العديد من المساجد، أشهرها مسجد السيدة زينب بالقاهرة.
شغل منصب وكيل وزارة الأوقاف في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ثم عين عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية، وقد اشتهر الشيخ الشعراوي بتفسيره السهل الممتع للقرآن الكريم، من خلال برنامجه التلفزيوني الشهير "تفسير القرآن الكريم"، كما ألف العديد من الكتب في مختلف مجالات الدين الإسلامي.

خواطر فضية الإمام الشيخ الشعراوي وتفسيره للقرآن الكريم
تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي للقرآن الكريم يعتبر من أشهر التفاسير وأكثرها انتشارًا في العالم الإسلامي، تميز هذا التفسير بمنهجه الفريد وأسلوبه الميسر، مما جعله قريبًا من قلوب الناس، سهل الفهم والتطبيق، وقد استخدم الشيخ الشعراوي لغةً عربيةً سهلةً ومفهومةً، وشرح الآيات القرآنية بطريقة مبسطة ومباشرة، بعيدةً عن التعقيد واللفظيات المغلقة.
ربط الشيخ الشعراوي في تفسيره بين آيات القرآن الكريم وبين أحداث الحياة اليومية، مما جعلها أكثر وضوحًا وفائدةً للمسلمين، واستخدم الشيخ الشعراوي الأسلوب القصصي في شرح بعض الآيات القرآنية، مما جعلها أكثر تشويقًا وجذبًا للقارئ، وقد ركز الشيخ الشعراوي في تفسيره على الجانب الأخلاقي من الآيات القرآنية، ودعا إلى تطبيقها في الحياة العملية، كما استشهد بالعديد من الشواهد والأمثلة من التاريخ والسيرة النبوية، مما ساعد على فهم الآيات القرآنية بشكل أفضل.
نال تفسير الشيخ الشعراوي إعجاب الكثير من العلماء والمشايخ، الذين أشادوا بمنهجه الفريد وأسلوبه الميسر.

شغف الشيخ الشعراوي بالأغاني الشعبية
على الرغم من مكانته الدينية المرموقة وعلمه الغزير، كان الشيخ محمد متولي الشعراوي يحب الاستماع إلى الأغاني الشعبية، خاصةً أغنية لولاكي وأغاني الفنان عدوية، ولقد كان الشيخ الشعراوي يدرك أن الموسيقى الشعبية هي لغة يفهمها الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية والثقافية، ومن الحكايات التي تظهر شغف الشيخ الشعراوي بالأغاني الشعبية، إنه في إحدى المرات، سأل أحد الصحفيين الشيخ الشعراوي عن رأيه في أغنية لولاكي، فأجاب الشيخ بأنه يحب هذه الأغنية ويرى فيها تجسيدًا لروعة الفن المصري الأصيل.
الشيخ الشعراوي ينقذ عبد الحليم حافظ
أنقذ الشيخ الشعراوي الفنان عبد الحليم حافظ من أزمة نفسية عميقة، ففي إحدى الفترات من حياة الفنان عبد الحليم حافظ، مر بأزمة نفسية عميقة أثرت على صحته وعمله، فسمع عن الشيخ محمد متولي الشعراوي، وإيمانه بقدرة الشيخ على مساعدته في تخطي هذه الأزمة، فذهب إليه مستشيرًا ومستعينًا.
استقبل الشيخ الشعراوي الفنان عبد الحليم حافظ برحابة صدر وحسن ضيافة، واستمع إليه باهتمام كبير وهو يروي له تفاصيل أزمته النفسية. وبعد أن انتهى عبد الحليم من حديثه، بدأ الشيخ الشعراوي بتقديم الإرشاد والتوجيه الديني له، وقد أثرت نصائح الشيخ الشعراوي على عبد الحليم حافظ تأثيرًا كبيرًا، فبدأ يشعر براحة نفسية كبيرة، وأدرك أن الله هو القادر على تغيير حاله إلى الأفضل.
بعد فترة من الوقت، تمكن عبد الحليم حافظ من تخطي أزمته النفسية، وعاد إلى الفن من جديد أقوى وأكثر إبداعًا. وظل عبد الحليم حافظ مقدرًا للشيخ الشعراوي فضله الكبير عليه، وكان يتواصل معه دائمًا ويستشيره في أمور حياته.
حكايات الشيخ الشعراوي مع الفنانات
أما عن الشيخ الشعراوي والفنانات، فقد ارتبط اسم الشيخ محمد متولي الشعراوي بالعديد من الحكايات والقصص، ومن بينها حكاياته مع بعض الفنانات اللواتي تأثرن بشخصيته ودعوته.

أشهر حكايات الشيخ الشعراوي مع الفنانات
حكاية الشعراوي مع الفنانة شادية
من أشهر حكايات الشيخ الشعراوي هي حكايته مع الفنانة شادية، حيث يقال أنها اعتزلت الفن بعد لقاء جمعها بالشيخ، تأثرًا بكلماته ونصائحه الدينية، ورغم أن صحة هذه الحكاية غير مؤكدة، إلا أنها تظهر تأثير الشيخ الشعراوي على بعض الناس ورغبتهم في تغيير مسار حياتهم نحو الأفضل.
حكاية الشعراوي مع الفنانة تحية كاريوكا
التقى الشيخ الشعراوي بالفنانة تحية كاريوكا في إحدى مناسبات الحج، ونشأت بينهما علاقة طيبة، وكانت تحية كاريوكا تحرص على الاستماع إلى نصائح الشيخ الشعراوي وتطبيقها في حياتها.
حكاية الشعراوي مع الفنانة سعاد حسني
التقى الشيخ الشعراوي بالفنانة سعاد حسني في أحد البرامج التلفزيونية، وتحدثا عن الفن والحياة والإيمان، وقد أثرت كلمات الشيخ الشعراوي على سعاد حسني بشكل كبير، وجعلتها تفكر في معنى الحياة بشكل أعمق.
حكاية الشعراوي مع الفنانة نادية لطفي
كانت الفنانة نادية لطفي تعاني من أزمة نفسية في أحد مراحل حياتها، فسعت إلى الشيخ الشعراوي لطلب النصيحة، واستمع الشيخ الشعراوي إلى حديثها باهتمام كبير، وقدم لها الإرشاد والتوجيه الديني الذي ساعدها على تخطي أزمتها.
تظهر حكايات الشيخ الشعراوي مع الفنانات جانبًا إنسانيًا في شخصيته، ودوره في إرشاد الناس وتوجيههم نحو طريق الخير والصلاح، فكان الشيخ الشعراوي إمامًا عظيمًا وعالما جليلًا، وكان أيضًا إنسانًا رحيمًا يحب الخير للناس ويسعى لمساعدتهم على تحسين حياتهم.
موقف الشيخ الشعراوي من الفن والفنانين
كان الشيخ الشعراوي يؤمن بأهمية الفن في حياة الإنسان، وكان يقدر الفنانين الموهوبين الذين يقدمون فنًا هادفًا ونبيلًا، لكنه كان أيضًا ينتقد بعض الظواهر السلبية في الوسط الفني، وكان يحذر الفنانين من الانجراف وراء الشهرة والمال على حساب القيم والمبادئ.

فتاوى الشيخ الشعراوي التي أثارت جدلًا واسعًا
موقف الشعراوي من عمل المرأة
أشاع البعض أن الشعراوي رفض عمل المرأة، لكن الحقيقة أن الشعراوي قال في أحد الفيديوهات أن عمل المرأة جائز شرعًا في حال الضرورة، إذ لم يرفض الشيخ محمد متولي الشعراوي عمل المرأة بشكل قاطع، بل كان له رأي محدد يميز بين عمل المرأة المباح والمحرم، فقد رأى الشيخ الشعراوي أن عمل المرأة جائز شرعًا في حال الضرورة، مثل: الحاجة إلى الإنفاق على نفسها أو على عائلتها، عدم وجود عائل يتحمل مسؤولية الإنفاق عليها، وممارسة مهنة تساهم في خدمة المجتمع، لكنه شدد على ضرورة مراعاة شروط محددة لعمل المرأة، منها الحفاظ على الدين والأخلاق، عدم الاختلاط بالرجال الأجانب، وعدم إهمال مسؤولياتها في البيت وتربية الأبناء.
رفض الشيخ الشعراوي عمل المرأة إذا كان عملها يعرضها للفتنة أو الخطر، إذا كان عملها يهمل واجباتها الأسرية، وإذا كان عملها يتعارض مع تعاليم الإسلام. ويمكن تلخيص موقف الشيخ الشعراوي من عمل المرأة في أنه لا يعارض عمل المرأة بشكل مطلق، بل يجيزه في حال الضرورة، ويشدد على ضرورة مراعاة شروط محددة لعمل المرأة، ويرفض عمل المرأة في بعض الحالات التي تهدد دينها أو أخلاقها أو واجباتها الأسرية.
الشيخ محمد متولي الشعراوي وفتوى جواز أكل لحوم الخيل
أثارت فتوى الشيخ محمد متولي الشعراوي حول جواز أكل لحوم الخيل جدلاً واسعًا بين العلماء والجمهور، فقد ذهب الشيخ الشعراوي إلى أن أكل لحوم الخيل جائز شرعًا، مستندًا إلى عدم وجود نص صريح في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة يحرم أكل لحوم الخيل، مع وجود أحاديث نبوية تشير إلى جواز أكل لحوم الخيل، مثل: حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-، حيث قالت: "نحرنا فرسًا فأكلناه على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، كذلك وجود إجماع على جواز أكل لحوم الحيوانات المستأنسة، مثل: البقر والغنم، والخيل من الحيوانات المستأنسة.
عارض فتوى الشيخ الشعراوي العديد من العلماء، مشيرين إلى وجود العديد من الأحاديث النبوية التي تشير إلى كراهية أكل لحوم الخيل، مثل: حديث أبي داود، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تأكلوا لحم الخيل، فإنها ركوب المسلمين"، كما استدل هؤلاء العلماء على تحريم أكل لحوم الخيل من باب سد الذريعة، خوفًا من عودة العرب إلى عاداتهم الجاهلية في استخدام الخيل في الحروب.
الشيخ الشعراوي يبالغ في مدح الملك فهد بن عبد العزيز
كتب الشيخ محمد متولي الشعراوي قصيدة يمدح فيها الملك فهد بن عبد العزيز، خادم الحرمين الشريفين وقتها، وذلك في كتابه "الإسلام والإيمان"، وقد أثارت هذه القصيدة جدلاً واسعًا بين العلماء والجمهور، حيث رأى البعض فيها تجاوزًا في مدح الحاكم، ووصفوها بالغلو، وتبدأ القصيدة بقول الشيخ الشعراوي:
يا ابن عبد العزيز يا فهد شكرًا
دمت للدين والعروبة فخرًا
أنت ظل الله في الأرض تحيا
بك البلاد أمنًا وسرًا
ويستمر الشيخ في مدح الملك فهد، مشيدًا بصفاته ومناقبه، مثل: حكمه العادل، حرصه على خدمة الإسلام والمسلمين، دوره في رعاية الحرمين الشريفين.
ويختتم الشيخ القصيدة بالقول:
اللهم احفظ لنا فهدًا ونورًا
واجعله رمزًا للحق والهدى
واجعله خير راع للعباد
واجعله خير سند للإسلام
ويمكن القول أن الشيخ الشعراوي أراد من خلال هذه القصيدة التعبير عن مشاعره الصادقة من الحب والتقدير للملك فهد بن عبد العزيز، وشكره على خدماته للإسلام والمسلمين، لكن تجاوزه في مدح الملك فهد، ووصفه بـ "ظل الله في الأرض" أثار حفيظة بعض العلماء، الذين اعتبروا ذلك غلوًا غير مقبول، وبالتالي فإن قصيدة الشيخ الشعراوي في مدح الملك فهد بن عبد العزيز تعتبر من الأمثلة على الغلو في مدح الحكام، وهو أمر نهى عنه الإسلام.

الشعراوي وفتوى تكفير تارك الصلاة
أثارت فتوى الشيخ محمد متولي الشعراوي حول تكفير تارك الصلاة جدلاً واسعًا بين العلماء والجمهور، فقد ذهب الشيخ الشعراوي إلى أن تارك الصلاة كافر كفر مخرج من الملة، مستندًا إلى آيات قرآنية تشير إلى كفر تارك الصلاة، مثل: قوله تعالى: "والذين لا يؤمنون بالآخرة هم الكافرون" (البقرة: 161)، كذلك استدل بأحاديث نبوية تشير إلى كفر تارك الصلاة، مثل: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بين العبد وبين الكفر أربع أصابع: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله، وإيتاء الزكاة، والصيام، والحج".
عارض بعض الإعلاميين والصحافيين فتوى الشيخ الشعراوي، معتبرين أنه لا يكفر المسلم إلا بارتكاب فعل صريح يخرجه من الإسلام، مثل: الشرك أو الاستهزاء بالدين، وترك الصلاة قد يكون معصيةً كبيرة، لكنه لا يخرج صاحبه من الإسلام.
الشيخ الشعراوي ورفض نقل مقام النبي إبراهيم –عليه السلام-
لعب الشيخ محمد متولي الشعراوي دورًا هامًا في حادثة توسيع الحرم المكي الشريف في الخمسينيات، عندما أرادت السلطات السعودية نقل مقام النبي إبراهيم -عليه السلام- من مكانه، ففي ذلك الوقت، كان الشيخ الشعراوي مدرسًا في كلية الشريعة بمكة المكرمة، وعضوًا في بعثة الأزهر الشريف في السعودية، وعندما علم الشيخ الشعراوي بنية نقل المقام، اعترض على ذلك بشدة، ورأى أن نقل المقام من مكانه يعد مخالفةً شرعيةً.
استند الشيخ الشعراوي في رأيه إلى أن مقام النبي إبراهيم -عليه السلام- هو مكان مقدس ومبارك، ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وبالتالي فأن نقل المقام قد يؤدي إلى إحداث تغيير في شعائر الحج والعمرة، كما أن نقل المقام قد يثير فتنةً بين المسلمين. وبناءً على ذلك، قام الشيخ الشعراوي بكتابة رسالة إلى الملك سعود بن عبد العزيز، ناشد فيها الملك عدم نقل المقام.
تضمنت رسالة الشعراوي إلى الملك سعود شرحًا لمكانة مقام النبي إبراهيم -عليه السلام الدينية والتاريخية، وبيانًا للمخالفات الشرعية التي يمثلها نقل المقام، وتحذيرًا من مخاطر إثارة الفتنة بين المسلمين، وقد أثرت رسالة الشيخ الشعراوي على الملك سعود، مما دفعه إلى إعادة النظر في قرار نقل المقام، وبفضل جهود الشيخ الشعراوي، تم الحفاظ على مقام النبي إبراهيم -عليه السلام- في مكانه، ولم ينقل من مكانه حتى يومنا هذا، وهذه الحادثة تظهر شجاعة الشيخ الشعراوي وحرصه على الحفاظ على شعائر الإسلام ومقدساته.
الليلة الأخيرة في حياة إمام الدعاة
الليلة الأخيرة في حياة الشيخ الشعراوي –رحمه الله-.. رحل الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمة الله عليه- في ليلة 25 رمضان 1419 هـ الموافق 2 يوليو 1998 م، عن عمر يناهز 86 عامًا، وفي ليلة رحيله، كان الشيخ الشعراوي في منزله، يمارس عاداته اليومية المعتادة، مثل تلاوة القرآن الكريم، التأمل والدعاء، كتابة بعض الأفكار والملاحظات، وفي وقت متأخر من الليل، شعر الشيخ الشعراوي ببعض التعب، فذهب إلى الفراش لينام. وخلال نومه، أصيب الشيخ الشعراوي بأزمة قلبية حادة، لم ينج منها.
عندما اكتشفت عائلته الأمر، حاولوا إنقاذه، لكن الأجل كان أسرع، وتوفي الشيخ الشعراوي في سكون وهدوء، تاركًا وراءه إرثًا علميًا ودعويًا عظيمًا، وقد حضر جنازة الشيخ الشعراوي حشود غفيرة من المسلمين من جميع أنحاء العالم، تقديرًا لفضله وعلمه، وخلد اسم الشيخ الشعراوي في ذاكرة الأمة الإسلامية، كأحد كبار علماء الإسلام في القرن العشرين.
