سيرة القارئ الشيخ عوض القوصي " كروان الصعيد" في ذاكرة محبيه

يُعد الشيخ عوض القوصي أحد أهم قراء القرآن الكريم، وسيظل صوته المميز وأسلوبه في تلاوة القرآن الكريم خالدًا في الأذهان. في هذا الموضوع نستعرض سيرة الشيخ عوض القوصي ورحلته المباركة مع كتاب الله تعالى.
الصعيد منجم للمواهب ومنبع للقرّاء المتميزين
الشيخ عوض القوصي أحد أبناء محافظة أسيوط التي تقع في صعيد مصر، ويُعرف الصعيد بكونه منجمًا للمواهب في مختلف المجالات، لا سيما مجال تلاوة القرآن الكريم. فلطالما حظي القرآن الكريم بمكانة خاصة عند أهالي الصعيد، الذين حرصوا على الاستماع إليه، بل وتنافس كبارهم وأعيانهم في إقامة السهرات الرمضانية التي تُدعى إليها كبار القراء. ومن بين هؤلاء القراء المتميزين، يُبرز اسم الشيخ عوض أحمد القوصي، صاحب الموهبة الفذة والصوت الملائكي.
نشأ الشيخ القوصي في محافظة أسيوط، وبرع في تلاوة القرآن الكريم منذ صغره، ليصبح أحد الرعيل الأول لقراء مصر، عاصر الشيخ القوصي كبار قراء مصر، وظل متربعًا على عرش تلاوة القرآن الكريم في قلوب الصعايدة لعقود من الزمن. فقد عشقوا صوته العذب وأسلوبه المميز في التلاوة، وتمنوا وصوله إلى جميع أنحاء العالم.

سيرة الشيخ عوض القوصي في ذاكرة محبيه
وُلد الشيخ عوض القوصي في مدينة القوصية بمحافظة أسيوط عام 1913م، ونشأ يتيمًا، نشأةً غنيةً بالإيمان وحبّ القرآن الكريم. فبدأ رحلته مع تلاوة القرآن الكريم في طفولته، ليتطور صوته العذب وأسلوبه المميز ليصبح من أشهر قراء القرآن في مصر والعالم العربي. جال الشيخ عوض القوصي أنحاء مصر، ينشر نور القرآن الكريم ويُنعش القلوب بآياته. فكان حضوره في السهرات الرمضانية والمناسبات الدينية علامةً فارقةً، يملأ المكان سكينةً وخُشوعًا.
التحق الشيخ عوض بكتاب القرية في طفولته، ليتلقى تعليمه على يد الشيخ محمد قطيمة والشيخ عبدالنعيم العطار. لاحظ الشيخان موهبة الشيخ عوض وتنبّأ له بمكانة مرموقة في عالم القراءة، و كان الشيخ عوض يحيي الليلة الختامية لذكرى مولد السيدة زينب، حيث كان يلتقي جمهوره من مختلف أنحاء مصر لمدة تجاوزت الأربعين عامًا.
سعَى محبو الشيخ عوض القوصي "كروان الصعيد"، لجمع تراثه من التسجيلات التي احتفظ بها أهالي الصعيد في بيوتهم، تخليدًا لذكراه وتقديرًا لموهبته الفذة. أقرّ الشيخ محمد صديق المنشاوي، أحد كبار قراء مصر، بمكانة الشيخ عوض القوصي، قائلاً: "القارئ الوحيد الذي أعمل له ألف حساب هو الشيخ عوض القوصي".

أسيوط تحتضن سيمفونية قرآنية في رمضان
على مدى أربعين عامًا، اتّحدت قلوب أهالي محافظة أسيوط في رحلة إيمانية مميزة خلال شهر رمضان. ففي تلك السهرات الرمضانية التي نظّمها أعيان وكبار المحافظة، انساب صوت الشيخ عوض القوصي، كروان الصعيد، ليُحلّق في سماء أسيوط، حاملًا مع كل تلاوة نسمات من السكينة والروحانية.
بدءًا من أواخر الأربعينيات، باتت أسيوط على موعد سنويّ مع هذه السيمفونية القرآنية، حيث اجتمعت الأرواح على مائدة القرآن الكريم، مستمتعة بصوت الشيخ عوض العذب وأسلوبه المميز في التلاوة. كانت تلك السهرات بمثابة موعد خاص مع المتعة الروحية، حيث تذوّق أهالي أسيوط جماليات القرآن الكريم، ونَهلوا من ينابيعه العذبة، تاركين قلوبهم تنساب مع آياته الكريمة. وهكذا، شكّلت تلك السهرات علامة فارقة في تاريخ أسيوط، وخلّدت ذكرى الشيخ عوض القوصي في قلوب محبيه، وجعلت من شهر رمضان موعدًا سنويًا مع الإيمان والجمال.

وفاة الشيخ عوض القوصي
عاش الشيخ عوض القوصي حياته قريناً للقرآن الكريم، يرتل آياته ويُنشدها في شتّى أنحاء مصر. فكان رحلةً قرآنيةً خالدةً، انطلقت من صعيد مصر لتشمل أرجاء الوطن بأكمله. وفي يوم الجمعة 7/4/1995، وافته المنية بعد رحلةٍ حافلةٍ بالإيمان والإنجاز. ودُفن في مسقط رأسه بمدينة القوصية، تاركًا إرثًا غنيًا من التسجيلات القرآنية التي خلّدت صوته العذب وأسلوبه المميز. رحم الله الشيخ عوض القوصي رحمةً واسعةً، وأسكنه فسيح جناته.
