أحدث الأخبار
الأحد 20 أبريل 2025
رئيس التحرير
محمد أبو عوض
رئيس التحرير التنفيذى
أحمد حسني

السلف تلــــف.. والـــرد عـلــيهـم خســـارة

عاطف صبيح
عاطف صبيح

عندما فجأة وعلى حين غفلة من أهله ينقلب حال البني آدم ويتسلَّف، حتمًا سينقلب أهله وأصدقاؤه وكل معارفه إلى أحد اتجاهين متنافرين متناقرين: الانبهار والتشيع المطلق له، أو السخط والتحفز، فيسبغ الفريق الأول عليه قداسة، ويصب الفريق الثاني عليه لعناته، ولا تلُمْ أحدًا؛ لأنه هو بنفسه اختار الحارة السد.. طريق الــ one way؛ متوهمًا أن تطويل اللحية و"أزعرة" الجلابية مؤهلاته لدخول الجنة.

أعلم أنكم تزغرون لي بأعينكم مرتابين من أمري، وبعضكم يقول: "هيخبَّط في الإسلام ولا إيه!".

وهذه هي مصيبة المصائب عندما يكون انتقادنا لأشخاص مهما كانوا هو انتقاد لدين الله والعياذ بالله. وكأنه حصري عليهم دون باقي خلق الله. ورضي الله عن أمير المؤمنين الذي قال: الحمد الله الذي جعل في رعيتي من يقوِّمني (يعني يعدلني) بحد السيف.

وقد يقول البعض: ما تهاجم يا أخي الفساد والانحلال في المجتمع بدل ما تهاجم ناس بتوع ربنا.

لا طبعًا؛ لأن هؤلاء القوم يرون أنفسهم الفئة الناجية والفئة المُخلِصة المُخلِّصة و"المخلَّصة"، فمن حقي، بل والأَوْلَى أن أنتقدهم، مثلما أن من حقهم أن ينتقدونا ويهاجمونا ليلَ نهارَ. وكما ذكرت وأذكر وسأذكر على طول فإن هناك حرية شخصية، ولكنها محدودة ومحددة في الذات. المتسلف يرتدي ما يشاء، ويطلق لحيته حتى لو طالت قدميه، هو حر في حياته، لكنه ليس حرًّا في حياة الغير؛ حيث إن هذه منطقة ممنوع الاقتراب منها. ولأن المتسلفين يتجاوزون هذه الحدود من باب الوصاية على الشعب؛ كان لا بد أن أتعرض لهم، سواء رضوا (ومؤكد لن يحدث)، أم غضبوا، وفي الحالين لن يفرق معي.

قد يردد البعض رذاذ أن السلفيين يشكلون خطرًا على مصر، وهم لا يعلمون أنها تستوعب كل الملل والأدمغة.. هم خطر لكن على البسطاء الذين يبهرهم المظهر الإسلامي الخدَّاع وحفظ متون الكتب وإطالة الصلاة بشكل يطلّع الروح (من الآخر واخدين الدين والتدين بالصدر).. هؤلاء خطرهم في أن البعض يتخيل أن بينهم وبين الصحابة خطًّا مباشرًا؛ لأنهم أتباع السلف وأهل السنة والجماعة ونحن طبعًا أهل بدعة.. وهي أخف كلمة يمكن أن يحكموا بها علينا.

فهل هؤلاء البني آدمين هم فعلاً أهل سلف ومن جيل الصحابة؟ هل كلهم على بعضهم واحد على مليون من أي صحابي؟

تعالوا نجرب بعض المقارنات في الأمور البسيطة، ونشوف: الصحابة مثلاً يأخذون أنفسهم بالشدة، ويفتون للأمة بأخف الأحكام، فهل هؤلاء البشر يمكن أن يفتوا بدون أن يحرّموا العيشة واللي عايشينها؟!

الصحابة يحترمون اختلاف الآراء، فهل هؤلاء البشر لديهم خرم أفق لأي رأي يخالف توجههم؟! من جهتي سمعت"عيل" من أتباعهم يقول ذات مرة: الإمام الشافعي رأيه غلط في المسألة دي! تخيلوا.. تصوروا.. لماذا يا عمي الجهبذ؟! لأنه لم يصله حديث يقول كذا وكذا، فأفتى بهذا الرأي الخطأ!

والطامة الكبري والخيبة والويبة أنهم يبررون تعصبهم الأعمى بجملة تشلّ:"نأخذ بالأحوط"! كما يقهرون المرأة بجملة أشلّ:"مخافة الفتنة"! وهاتان الجملتان مطاطيتان يندرج تحتهما كل شيء.

وسؤال أخير: هل كان الصحابة يمرُّون على خلق الله بوجه عبوس متجهم، مقطبين جبينهم كأنه آتون من جهنم وبئس المصير، ويريدون أن يضربوك بالخف؛ لأنك حليق الذقن كافر وملعون؟ وهي فتوى لا يزال المتسلفون يؤمنون بها.

الحق أن هؤلاء البشر لم يأخذوا من السلف إلا أخلاق الأعراب: الفظاظة.. الغلظة.. الحدة.. الشدة.. الجفوة.. العنف اللفظي والسلوكي.. وتحجر القلوب.

ولكي تتأكدوا من كلامي؛ تعالوا ننتقل من النظري إلى العملي.. سأحكي لكم بعض الأمور التي حضرتها مع بعضهم، وما أكثرها!

امرأة متزوجة ذهبت إلى عالم أزهري من نجوم السلفية، وقالت له: "جوزي يا شيخ قال لي لو ما خلعتيش النقاب تبقي طالق"، فأفتى العلامة الفهامة بكلمة أغلظ من قلبه وأظلم من عقله: النقاب فرض.

والحمد لله أن بعض العقلاء أقنعوا الزوج بأن يرد زوجته أم عياله بعد أن طلقها طبعًا. 

واحد آخر أكثر مفهومية قال ذات يوم في لحظة انشكاح: ربنا سخر لنا الأمريكان والأوربيين.. خلقهم عشان يصنعوا لنا أجهزة ويعملوا حضارة، وخلقنا عشان نعبده!

صديق أخبرني أنه ذهب للعمل في قناة من التي تدخلك الجنة، وأعلمه الشيخ فلان أن العمل تطوعي، وأن الأجر والثواب عند الله، فماذا يفعل؟

قلت له: تنطّ في كرشه.. هذا الشيخ مثل جار لي من أصحاب الذقون أكل فلوسًا عليَّ، وكان يلح على أن أسامحه؛ ليأكلني بالحلال! 

لماذا مطلوب ممن يعمل لدينه أن يكون معدمًا، بينما هم يغرفون الأموال غرفًا، ويغرقون فيها غرقًا؟!! وأبدلوا بسلوكياتهم حديث"القابض على دينه" إلى القابض على الفلوس. ليت هذا الشيخ مد يده في سيالته، أو أعطاه مبلغًا سلفًا يمشِّي بيه حاله، لكن يبدو أنه مؤمن بالمثل القائل:"السلف تلف"؛ لذا فإن الرد عليه خسارة.

تابع أحدث الأخبار عبر google news