مقدمات أدبية ودفوع قانونية.. سِحر المرافعات البلاغية

في الدعاوى القضائية، تجد مرافعات بلاغية يظهر فيها المُترافع أدواته اللغوية، التي تؤدي إلى الاقتناع المُمكن، من خلال البراعة في توظيف الصور البيانية، والأساليب الإنشائية، والمحسنات البديعية، فالبلاغة في المرافعات القضائية، ليست مجرد كلمات، لكن هي فَن الإثبات.
أحمد جمعة يقنع هيئة المحكمة بأسلوب بلاغي متفرد
الهدف من المرافعة إقناع القاضي بعدالة موقف موكله وتطابقه مع القانون، هذا ما يفعله المحامي أحمد جمعة، في أغلب مرافعاته، من ضمنها قضية كان يترافع فيها أمام محكمة الجنايات، منعقدة فى غرفة المشورة، فقررت المحكمة إخلاء سبيل المتهم، فاستأنفت النيابة قرار إخلاء السبيل، فحضر «جمعة» أمام محكمة الجنايات بهيئة مغايرة منعقدة فى غرفة المشورة، وفقا لمنصة «جنائيون» على «فيسبوك».
جاءت المرافعة كطلقة رصاص أصابت الهدف نصها:
- ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها
- فرد رئيس المحكمة: «وما يمسك فلا مرسل له من بعده».. رفض استئناف النيابة وتأييد قرار إخلاء السبيل .
المحكمة تستجيب بعد حِجاج بلاغية قوية
في مرافعة أخرى لـ أحمد جمعة، في قضية طلعت السادات، رفضت المحكمة منحه أجلا ثم بعد الحِجاج استجابِت:
«لكن المحكمة أشاحت بوجهها عن تحقيق طلباتنا العادلة والمنتجة في الدعوى، وأمرت بضم الدفوع إلى الموضوع، حتى التأجيل لا يتجاوز يومًا أو يومين مع ظروف الصيام دون مقتضى من الواقع، لأن طلعت السادات ليس متهمًا بتهريب أموال مصر مثلاً، إنما هي قضية رأي وفِكر تستلزم التأني والبحث، فلماذا لا تُجيبنا المحكمة؟!».
نقول ذلك، لأن الشيطان عندما قَضَي عليه ربُّه بالطرد من الجنة، طلب أن يُمهله، أي يعُطيه أجلاً ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ "الحِجر 36".
فقد أجابه ربُّ العزَّة من دون أن يُناقشه في ذلك، أما نحن فلم تُجبنا المحكمة بشيء، والحمد لله فليس طلعت السادات شيطانًا، وليست المحكمة ربًا أو إلهًا.
«رُوي أنَّ امرأةً عجوزًا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فهشَّ لها وبسَط لها رداءَه وأجلسها عليه، فسألته زوجه عائشة: من هذه يا رسول الله؟ قال: لقد كانت تأتينا أيام خديجة، ما أروعكَ وما أعظمكَ وما أوفاكَ سيدي يا رسول الله، وأنا أتساءل: أليس للسادات أيامًا، يُمكن أن تَغفر لأهل بيته؟».
المستشار بهاء المري يضع تعريفًا للبلاغة القضائية
المستشار بهاء المري وضع تعريفًا للبلاغة القضائية قائلا في مقال له، إن البلاغة هي مُطابقة الكلام لمُقتضَى الحال مع فصاحته، أي حُسْن البَيان وقُوَّة التأثير، وتَدُل في اللغة العربية على إيصال مَعنى الخِطاب كاملًا إلى المُتلقِّي، سواء أكان سامعًا أم قارئًا.
وبلاغة المُتكلم هي مَلَكة في النَّفس يَقتَدرُ بِهَا صاحبُها عَلَى تَأليف كلامٍ بليغٍ، مُطابق لمُقتَضَى الحال، مَع فصاحتهِ في أي مَعنى قَصَده، وتِلكَ غَاية لن يَصِلَ إِليْهَا إلاَّ مَن أحاطَ بأساليبِ العَربِ خُبْرًا، وعَرَفَ سُننَ تَخاطُبهِم، لِيلبسَ لكل حالةٍ لبُوسَها، ولكلِّ مقامٍ مَقال.
أضاف: «البلاغة في الخِطاب القضائي ليست زُخرفًا ولا تَرفًا في الخِطاب القضائي، وإنما هي وسيلة ذات شأن في تحقيق أهدافه وغاياته، بوصفها فن الإثبات والإقناع المُمكن، ولذلك لا يُمكن فصلها عن القانون"، وهي بوصفها أداة إقناع، تُعَدُّ قوة لا يُمكن الاستغناء عنها للمُترافع الجيد، بل هي ألزم اللزوميات له؛ ليُحقِّقَ من خلالها مَقاصده من المرافعة، لا سيما أنه يُخاطب في مرافعته محاكم نالت حظًا يُذكر من الثقافة العامة بصفة خاصة ومن الثقافة القانونية على وجه الخصوص».
تابع أحدث الأخبار عبر