أحدث الأخبار
السبت 19 أبريل 2025
رئيس التحرير
محمد أبو عوض
رئيس التحرير التنفيذى
أحمد حسني

حكم الاحتفال بالمولد النبوي.. أدلة من الرسول والسلف الصالح

حكم الاحتفال بالمولد
حكم الاحتفال بالمولد النبوي

"حكم الاحتفال بالمولد النبوي.. دليل تحريم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف .. بدعة الاحتفال بالمولد النبوي.. الروض الندي في حرمة الاحتفال بمولد النبي".. بضاعة كل موسم التي يروج لها أدعياء السلفية الوهابيون بفتاوى بنكهة طولة اللسان وتسفيه أصحاب الرأي المخالف لأهوائهم، حتى صار حظهم هو النصف الثاني من قول الله تعالى "ولو كنت فظًّا غليظ القلب".

فمع كل بارقة أمل أو فرح تطل علينا بين فترة طوييييلة وأخرى وسط غمامات الكآبة يطلع لنا من يظلمون هذا البريق بجرأة عجيبة على شرع الله بتحريم الاحتفال بالمولد النبوي، فيتناقل العامة أقوالهم وهم يعانون شبورة في فهم دينهم افتعلها كلا الطرفين: الأعداء والمشايخ المغيبون من دعاة السلفية؛ لذا سنبحث في حكم الاحتفال بمولد النبي عند السلفيين الحقيقيين، وقبلهم رسول الله صلى الله عليه؛ لنرى إلامَ سيوصلنا هذا الأمر بلا وسطنة ولا تشدد؛ لأن دين الله نأخذه كما هو، لا نكيفه لطبيعتنا وأمزجتنا.

تحريم الاحتفال بالمولد النبوي

أفتى علماء السلفية بتحريم الاحتفال بالمولد النبوي؛ لأنه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبداية هناك أمران لا بد أن نعيهما قبل الخوض في الأحكام:

الأول أن كلمة "حرام" تُطلَق بالدليل القاطع اليقيني الذي لا يتطرق إليه شبهة، والثاني أن الأصل في أمور الحياة الإباحة؛ لأنها "توفيقية"(كل شيء حلال إلا ما حرمه الله)، والأصل في العبادات الدليل؛ لأنها "توقيفية" (يعني لا أفعل أي حركة أو قول في العبادات إلا بدليل). 

معنى البدعة

أول أدلتهم، والذي حسم القضية، هو الحديث الذي رواه البخاري ومسلم "ألا وإن كل محدثة بدعة"، والواضح أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة معنى "بدعة"، والتي أوضحها الإمام النووي في شرح صحيح مسلم، والإمام ابن حجر العسقلاني في شرح صحيح البخاري، وهما من أئمة علماء السلف، وأهم عالمين في شرح الصحيحين.. الإمام النووي قال: "والحق أن البدعة كمصطلح هي البدعة الشرعية، فكل بدعة بهذا المعنـى فـي ضـلالة بنص الحديث الصريح الصحيح"، وتابع "ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التراويح: نعمت البدعـة".

وهنا أمران، الأول: أن العادات تخرج من تحت عباءة البدعة، فهل الاحتفال بالمولد النبوي من العبادات؟

الأمر الثاني أن هناك بدعة صريحة في الدين فعلها عمر بن الخطاب (الذي صدَّقه القرآن) في صلاة القيام جماعة. فهل أنتم أعلم وأتقى منه ومن الصحابة ومن الإمام النووي؟!

ونبَّه النووي إلى أن الإمام الشافعي قسَّم البدعة إلى محمودة ومذمومة، واعتمدها العلماء الذين جاءوا من بعده، ومنهم العز بن عبد السلام والنووي والقرافي.

واتفق الحافظ ابن حجر في شرح صحيح البخاري مع النووي فيما قاله بلا أي فروق بينهما.

رسول الله أقرَّ بالاحتفال بأسوأ يوم جاهلي وهو يوم بعاث

الدليل الثاني هو إسقاط حديث "من تشبه بقوم فهو منهم" على تشبهنا بالنصارى باحتفالهم بمولد المسيح، وهو مردود عليهم بحديث الجويريات اللاتي كن يحتفلن في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ببدعة جاهلية أقرَّها النبي نفسه، وهي احتفالهن بيوم بعاث. أتدرون ما هو يوم بعاث؟ إنه أسوأ أيام الجاهلية.. أشد حرب وقعت بين الأوس والخزرج، استمرت 120 سنة، فماذا قال لما غضب أبو بكر الصديق؟ "إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وهذا عِيدُنَا".

الرسول لم يأمرنا بتعظيمه

الدليل الثالث هو قول أحد أدعياء السلفية "لو كان الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من مظاهر محبته ولم يرشدنا إليه، فقد قصَّر صلى الله عليه وسلم وحاشاه"، فهل يا مولانا سيأمر نبي الله بتعظيمه؟! وهل تصرفات كثيرين من الصحابة في محبته كانت بتعليمات وأدلة ونصوص وأحكام؟!! وهل يعقل يا ذا العقل الرشيد أن نجد حديثًا للرسول صلى الله عليه يقول فيه: عظِّموني، واحتفلوا بيوم مولدي؟! النبي لم يأمر أحدًا بأن يُجِلَّه، ولكننا لا بد أن نُجِلَّه.

الرسول عظَّم يوم مولده

الدليل الرابع هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم عظَّم يوم الاثنين، وقال السبب "ذلك يوم ولدت فيه"، فلا يجوز تخصيص يوم واحد في العام للاحتفال بمولده"، وهذا إقرار بالاحتفال به. أما أن تعظمه أو لا، فهذا أمر متروك لك، ولا يدخل في التحريم والبدعة.

اتقاء الفتنة والاختلاط

أما الهلاوس التي يرددها علماء الوهابية عن اتقاء الفتنة؛ لأن الاحتفال بالمولد النبوي يؤدي إلى اختلاط النساء والرجال، فإن المساجد في عهد الرسول كان فيها اختلاط، فكانت النساء تحضر دروس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال، حتى طلبن منه أن يخصص لهن يومًا؛ لأن الرجال يزاحمونهن، ففعل.

وحتى في الحج وصلاة العيدين. روى البخاري ومسلم عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: "أُمرنا أن نُخرج العواتق والحُيض في العيدين، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحُيض المُصلى" (متفق عليه).

كما كانت المرأة تذهب إلى الأسواق وسط الرجال، وتشارك في الحروب. روى مسلم عن أنس أن عائشة وأم سليم كانتا في يوم أحد "مشمِّرتين"، تنقلان القرب على متونهما وظهورهمـا، ثم تفرغانهـا في أفواه القـوم، ثم ترجعـان فتملآنهـا. وركز في "مشمِّرتين".

وبمناسبة أنك إمام سلفي، ألا تدري يا مولانا أن مصطلح "الاختلاط" بدعة اخترعتموها، فلم يرد في أي كتاب من كتب السلف الصالح، وإنما المصطلح الفقهي الصحيح هو الخلوة؟ وإلا ما تفسيرك لهذا الحدث الصحيح: "عن أسماءَ بنتِ يزيدَ أنَّها كانَت عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، والرِّجالُ والنِّساءُ قُعودٌ...." (صحيح، والمحدث: الألباني)؟ يعني هناك اختلاط.

الغلو في محبة الرسول

ومن أدلتهم المثيرة للدهشة الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعه من مرتبة النبوة إلى مرتبة الربوبية، وهذا غلو من فخامتكم أنتم؛ لأنه لو صح كلامك فما شأنه بحكم الاحتفال، وهل استخدام السكين في جريمة يُحدِث فيها غلوًّا برفعها من مرتبة تقطيع الخضراوات إلى مرتبة الذبح؟!

الاحتفال يكون باتباع سنته

أما كلامهم عن أن الاحتفال بمولد النبي يكون باتباع سنته، فهو ضلال عن المنهجية؛ لأن الأمر هنا أمر حكم لا آداب، كما أن جملتهم حجة عليهم ودليل على عدم التحريم، فلا يمكن لفخامتكم أن تقول مثلاً إن شرب الخمر يكون باتباع آداب معينة؟! فالخمر أصلاً حرام، فلا كلام بعد الحكم.

الاحتفال بعاشوراء

أما ردهم على الاحتفال بيوم عاشوراء بالصيام بقولهم "هل رسول الله احتفل وجمع الناس وأطعم الطعام كما يفعلون؟" قول أخرق؛ لأنها مظاهر لا علاقة لها بالحكم الفقهي.

وقوله "فنحن نقول لكم: احتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم كما احتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجاة موسى، لكن لا تتعدوا احتفاله"، فالكلام هنا عن حكم وليس عن آداب، فهل يصح أن تقول عن حرام من وجهة نظركم افعلوا، ولكن لا تتعدوا.

صوموا يوم مولده

أما الكارثة فهي في قولهم "فصوموا أنتم يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم احتفالاً"؛ لأنه تناقض في رأيهم بأن أقروا بالاحتفال، وهنا كلامك يا مولانا تجاوز البدعة إلى التشريع بالصيام في يوم مولد النبي؛ لذا لن نسألكم عن حكم الابتداع في الدين، ولكن التشريع من تلقاء نفسه؟!

الاستشهاد بأبي لهب

أما رده على من استشهد بأن أبا لهب خفف الله عليه؛ لعتقه جارية اسمها سهيلة بشرته بمولد محمد صلى الله عليه وسلم بأنه أعتقها لأنه بُشِّر بالولد، وليس بنبي، وأنه لم يفعل هذا كل عام، فهذا سفه؛ لأن العبد أو الجارية ليسا خروفًا يُذبَح كل عام في عيد الأضحى، وإنما مظهر من مظاهر الاحتفال.

لو كان من سنته لفعله الصحابة

وقوله "ولو كان من سنته لعمله الصحابة أو عمله التابعون" يدعونا للسؤال: هل كل شيء جميل ولذيذ لا بد أن يفعله الصحابة؟ وهل أي شيء لم يفعلوه يحرم علينا فعله لأنه بدعة؟! إذن يا مولانا فأنت أحق بالالتزام بفتواك، وإياك إياك أن تركب سيارة، أو تشغل تكييفًا، أو تأكل بيتزا، أو تستخدم الهاتف الخلوي، أو أو أو.

المؤكد أن العرب لم يكونوا يعرفون أعياد الميلاد، فهل سمعت يا مولانا أن قبيلة بني فلان احتفلت بعيد ميلاد زعيمها؟! هناك فرق شاسع بين شيء لم يكن معروفًا وبدعة.

وختامًا ما زلت أذكر فتاوى لمشايخ السلفية تربَّينا علينا في شبابنا، ومنها تحريم الصورة في البطاقة الشخصية ومشاهدة التلفاز؛ لأن الصور حرام، فما شكلكم الآن أيها المغيبون؟!

تابع أحدث الأخبار عبر google news