أحدث الأخبار
الجمعة 11 أبريل 2025
رئيس التحرير
محمد أبو عوض
رئيس التحرير التنفيذى
أحمد حسني

المستشار بهاء المري يكتب: كسر الأسنان لا يعد عاهة.. قضاء لمحكمة النقض آن العدول عنه

المستشار بهاء المري
المستشار بهاء المري

لقد استقرت أحكام النقض على أن: "كسر الأسنان لا يعد عاهة مستديمة بالمعنى القانوني". (الطعن رقم 1517 لسنة 47 ق جلسة 19/6/1930 س 2 صـ 58) وقالت تبريرا لذلك: "إن الأسنان ليست من أعضاء الجسم ففقدها لا يقلل من منفعة الفم بطريقة دائمة لإمكان استبدالها بأسنان صناعية تؤدى وظيفتها"(نقض 24/5/1927 المحاماة السنة 8 رقم 219).

وإنْ كان الحكم الذي قضت فيه هذا القضاء صدر سنة 1930 إلا أنها لم تزل تسير على نَهجه ففي واقعة قضت فيها محكمة الموضوع بأن كسر الأسنان عاهة وطعَن فيه المتهم نجدها لم تَحد عن الاتجاه السابق وإنها وإنْ لم تذكر ذلك صراحة إلا أن ذلك يُفهم مما قضت به من أنه: "لا مَصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن واقعة العاهة طالما أن العقوبة المقضي بها مقررة لجريمة الضرب البسيط المنطبق على المادة 242/ 1، 2 من قانون العقوبات". (أي عقوبة مبرَّرة) ومؤدى ما قضت به هذا أنها لم تزل ترى أنَّ كسر الأسنان لا يُعد عاهة وبالتالي أقرت سلامة الحكم باعتبار أن العقوبة المقضي بها هي عقوبة الضرب البسيط فلا طائل من وراء نقض الحكم.

هذا الطعن برقم 11423 لسنة 79 ق جلسة 15/5/2010 س 61 صـ 389. ونص أسبابه كالتالي: وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إن واقعة الدعوى حسبما استخلصتها المحكمة في عقيدتها من مطالعة أوراقها وما تم فيها من تحقيقات ودار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل في أنه بتاريخ ... ضرب المتهم ... المجني عليه ... عمدا بجسم صلب "حجر خرساني" بسبب خلافات نشأت بينهما أثناء لعب الكرة فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقده لثلاث أسنان وتقدر نسبتها بنحو أربعة بالمائة 4%". وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة مستقاة من أقوال المجني عليه وشهود الإثبات بالتحقيقات وما ثبت من تقرير مصلحة الطب الشرعي وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد نقل عن تقرير الطب الشرعي بالنسبة للمجني عليه ... على أنها إصابة رضية تحدث من آلة صلبة راضة أيا كان نوعها ويجوز حدوثها من مثل الأداة "حجر خرساني" وتحدث في تاريخ معاصر لتاريخ الواقعة وقد استقرت حالة المذكور الإصابية وقد تخلف عنها عاهة مستديمة متمثلة في فقده لثلاث أسنان وتقدر نسبتها بحوالي 4% (أربعة بالمائة). لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد استظهر إصابة المجني عليه وعلاقة السببية بين تلك الإصابة التي أوردها تفصيلا بالنسبة للمجني عليه على النحو المار ذكره وما نشأ عنها من عاهة مستديمة فإنه ينحسر عن الحكم قالة القصور في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن بأن إصابة المجني عليه لا تعتبر عاهة مستديمة واطرحه في قوله "وحيث إنه عن الدفع المبدى بأن إصابة المجني عليه لا تعتبر عاهة مستديمة بالمعنى القانوني فمردود بأن القانون لم يرد فيه تعريف للعاهة المستديمة وبحسب المستفاد من الأمثلة الواردة في المادة الخاصة بها يتحقق وجودها بفقد أحد الأعضاء أو أحد أجزائه مما من شأنه نقص قوة أحد الأعضاء أو أحد الأجزاء وتقليل قوة مقاومته الطبيعية، ولما كان ذلك، وكانت المحكمة تستخلص من تقرير الطبيب الشرعي أن فقد أسنان المجني عليه هي فقد لمنفعة أحد الأعضاء وأن وظيفتها قد فقدت ولو فقدا جزئيا بصفة مستديمة فإن جريمة إحداث العاهة المستديمة تكون قد تحققت ويعدو الدفع غير سديد". لما كان ذلك، وكان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره في شأن واقعة العاهة طالما أن العقوبة المقضي بها مقررة لجريمة الضرب البسيط المنطبق على المادة 242/ 1، 3 من قانون العقوبات.

ولنا رأي:

ونحن نرى أن هذا القضاء مَحل نظر ويتعين العدول عنه ذلك أن العلة التي ذكرتها محكمة النقض في قضائها المذكور لكي تنفي عن كسر الأسنان صفة العاهة وهي "إمكان استبدالها بأخرى صناعية" لا تكفي لتبرير هذا القضاء. ذلك أنه - أخذا بذات المنطق - يُمكن استبدال كف اليد بآخر اصطناعي ويمكن زرع كبد بدلا من الكبد الذي استقرت فيه طعنة المتهم النافذة التي أدت إلى استئصال فص منه فأضعف كفاءة الباقي. ويمكن أن تؤدي الضربة إلى استئصال الطحال ويعيش المجني عليه بدونه.

أليست الأسنان من أعضاء الجسم وكسرها أو فقدها ينشأ عنه فقد منفعة تعود على صاحبها من ورائها ألا وهي سلامة النطق عند الكلام فيما لو كان المكسور منها هو القواطع. ولا ينكر أحد أن هذا الكسر ينال من كفاءة تقطيع وطحن ومضغ الطعام سواء أكان الفقد بصفة مؤقتة أم بصفة مستديمة. يضاف إلى ذلك أن تدخل العلم للتخفيف من آثار العاهة ليس من شأنه أن ينفي وجودها كلية أو يُخلِّي بين الطاعن وبين نتائج فعلته.

وما يؤازر رأينا هذا أن قضاءً آخر لمحكمة النقض قد اعتنق منطقنا هذا وهو قضاء أحدث من الحكم الذي نفى عن كسر الأسنان وصف العاهة هذا القضاء الأحدث الذي يؤازر وجهة نظرنا كان بمناسبة واقعة ينازع فيها الطاعن في مدى حصول عاهة من فقد المجني عليه صيوان الأذن بزعم إمكانية الاستعاضة عن الأذن الطبيعية بأخرى اصطناعية. فرفضت محكمة النقض هذا الزعم وقضت بما نصه كالتالي: "إذا كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن صيوان الأذن اليسرى قد انتزع بأكمله عدا "شحمة الأذن" التي لا تؤدي وظيفة ولا تعدو أن تكون حلية وترتب على ذلك ضعف قوة سمع هذه الأذن بنسبة 1-2% التي انتهى إليها الحكم أخذا برأي الطبيب الشرعي وأحد الأخصائيين ودلل الحكم على ذلك تدليلا سائغا فإن منازعة الطاعن في تخلف العاهة لا تكون مقبولة ولا يجديه في دفاعه بإمكان الاستعاضة عن الأذن الطبيعية بأخرى صناعية تؤدي وظيفتها تماما ذلك لأن تدخل العلم للتخفيف من آثار العاهة ليس من شأنه أن ينفي وجودها كلية أو يخلي بين الطاعن وبين نتائج فعلته".(الطعن رقم 1199 لسنة 36 ق جلسة 1/11/1966 س 17 صـ 1061).

تابع أحدث الأخبار عبر google news