جرائم بروح العصر.. الذكاء الاصطناعي في خدمة الجريمة المنظمة (4)
«روبوتات قادرة على القتل» .. الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي

القتل والتدمير، هي الهواية المفضلة لجماعات الجريمة المنظمة، وما أجمل أن تحصل هذه الجماعات على روبوتات ووسائل تكنولوجية حديثة تساعدها في أعمالها الإجرامية وتيسر عليها ارتكاب الجرائم.
يشغل الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية المعاصرة حَيّزًا كبيرا للغاية، إذ تمكن من اختراق كافة مجالات الحياة، وفي مقدمتها المجال العسكري، ووفقا لتوقعات الخبراء، فإن الذكاء الاصطناعي سيتم استخدامه بشكل فعال لإحداث نقلة نوعية كبيرة في استخدام الحلول المعرفية والأتمتة لتعزيز القدرات والاستراتيجيات العسكرية على المستويين التكتيكي والتشغيلي.
استخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعات العسكرية

يوجد العديد من التحذيرات، وتحديدا تلك التي نشرها الأستاذ بجامعة لستر في بريطانيا، والمتخصص في الدراسات الأمنية البروفيسور "جيمس جونسون" في دراسته التي نُشرت في مجلة (Defence & Security Analysis)، العدد (35)، أبريل 2019، تحت عنوان: "الذكاء الاصطناعي وحرب المستقبل: الآثار المترتبة على الأمن الدولي"، والمتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، وانعكاسات ذلك على إعادة ترتيب موازين القوى.
يناقش "جيمس" في هذه الدراسة سباق التسليح بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، مستعرضا مدى تأثرها بالسباق الحالي للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وفي بداية هذه الدراسة حدث "جيمس" دور الذكاء الاصطناعي الواسع والكبير وقدرته الفائقة في تعزيز القدرات العسكرية التقليدية والمتطورة، سواء أكان ذلك من الناحية التشغيلية، أو على المستوى التكتيكي، فالذكاء الاصطناعي، بالإضافة لكونه سلاح في حد ذاته، يلعب دورًا كبيرا للغاية في التعزيز من القدرات العسكرية من خلال إمكانات الاستشعار عن بعد، والمناورة، واتخاذ القرار تحت ضغط، والإدراك اللحظي لكافة المتغيرات، وذلك على المستوى التشغيلي.
على المستوى الاستراتيجي التكتيكي، فإن الذكاء الاصطناعي يساهم بشكل فعال في صنع القرار العسكري، إذ يمكن لأنظمة القيادة المعززة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تجنب العديد من أوجه القصور الملازمة لعملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية التقليدية، وبناءً على المعلومات المعززة، فإنها سوف تكتسب القدرة على اتخاذ القرار السريع والتلقائي في الوقت المناسب، وهو الأمر الذي يُجنّبها الأخطاء البشرية، ويُكسبها ميزةً تنافسيةً مقارنةً بأنظمة اتخاذ القرار التقليدية.
الذكاء الاصطناعي يرسم ملامح حروب المستقبل

إن إدماج الذكاء الاصطناعي مع نظم الأسلحة ذاتية التشغيل وتكنولوجيا الروبوتات، سوف يُحدث آثارًا تحولية في مستقبل الحروب والتوازن العسكري عالميًّا، وذلك لأن الذكاء الاصطناعي سوف سيضيف إلى هذه الأسلحة الحديثة والمتطورة، والتي تمثل "الثورة الثالثة في الحروب"، وأحد مخرجات "الثورة الصناعية الرابعة"، تقنيات تُعزز من قدراتها مثل الإدراك البصري والتعرف على الصوت والوجه، وكذلك استخدام الخوارزميات في صنع القرار لتنفيذ مجموعة من العمليات الجوية والبرية والبحرية، وذلك بشكل مستقل عن الإشراف والتدخل البشري.
أن هذا الدمج سوف يخلق أنظمة معززة يمكنها القيام بالكثير من المهام الصعبة، مثل: الاستطلاع ودقة تنفيذ الضربات، واختراق الدفاعات الجوية المتطورة متعددة المستويات، مما يؤثر على كفاءة قيامها بوظيفة الردع، كما ستقدم تلك الأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي للدول خيارات إضافية غير متماثلة لإبراز القوة العسكرية داخل المناطق المتنازع عليها وغير المسموح لها باختراقها، وتحديدا في المجال البحري، بالإضافة إلى مجموعة من المهام المحددة التي يمكن القيام بها والتي تشمل: إزالة وزرع الألغام، ونشر وجمع البيانات من شبكات الاستشعار البحرية المضادة للغواصات، ومهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وشن الحرب الإلكترونية، وتنفيذ العديد من العمليات غير القتالية، مثل مكافحة الإرهاب والدفاع عن الحدود، والدعم التوجيهي للصواريخ لدقة عمليات الاستهداف.
وأخيرًا سيقود الذكاء الاصطناعي حتما إلى إدخال متغير جديد في المعادلة العسكرية، وذاك المتغير يتمثل في عدم تساوى الجيوش التي تستخدم تلك التكنولوجيا الجديدة مع غيرها، ومن ثم بروز مجموعة من الآثار الاستراتيجية التي من المحتمل أن تزعزع الاستقرار الأمني إلى حد كبير، مما ينعكس بدوره على ديناميكيات الصراع والتصعيد العسكري في المستقبل، وسوف تشمل التهديدات الأمنية المحتملة والمترتبة على التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، الأمن بمفهومه الواسع الذي يتضمن الأمن الرقمي، والأمن المادي، والأمن السياسي.
العالم يقترب من حافة الهاوية.. والروبوتات السبب

الصناعات العسكرية حاليا شهدت توسعا ملحوظا في استخدام أنظمة الأسلحة المعززة بالذكاء الاصطناعي، والتي من شأنها القيام بالعديد من المهمات بشكل كامل دون أي تدخل بشري، مثل إسقاط ذخيرة الهجوم (LAMs) على الأهداف، سواء رادارات العدو أو السفن أو الدبابات، وفقا لمعايير الاستهداف المبرمجة مسبقًا، والتي يمكن استخدامها في تدمير الهدف تلقائيًّا عند استكشاف أجهزة الاستشعار لرادارات الدفاع الجوي للعدو، وتعتبر أنظمة الطائرات بدون طيار الإسرائيلية (Harop)، من أبرز الأمثلة على ذلك النوع من الأنظمة.
يوجد عدد كبير من الدول تسعى سعيًا حثيثًا لتطوير أنظمة كاملة من الأسلحة ذاتية التشغيل، وفي مقدمة هذه الدول الصين، وألمانيا، والهند، وإسرائيل، وكوريا الشمالية، وروسيا، وبريطانيا، وتشير دراسة "جيمس" إلى أن إدماج الذكاء الاصطناعي في نظم الأسلحة ذاتية التشغيل والروبوتات سيؤدي لا محالة إلى التوسع في استخدامها في مجالي الدفاع والهجوم، وهذا بدوره سوف يضعف من قدرات أنظمة الردع الحالية متعددة المستويات.
إضافة إلى ما سبق، فان إدماج التكنولوجيا نفسها في أنظمة الإنذار المبكر، سوف يقلص من فرص تسوية الأزمات بالوسائل السلمية، والتوجه نحو التصعيد المباشر، الأمر الذي قد يتطور إلى مستوى الحرب النووية، وهو ما يؤثر على استقرار الأمن العالمي، وإن كان هذا الأمر سيؤدي إلى تقليل وقت عملية اتخاذ القرار، مما يجعل إمكانية المواجهة المباشرة والتلقائية مع أي هجوم أمر وارد، كما أن تعزيز المجال السيبراني بالذكاء الاصطناعي سيُعزز من قدراتها، إلى جانب الأنظمة العسكرية التقليدية، سواء من حيث الدفاع أو الهجوم، فمن حيث الهجوم، فإن الذكاء الاصطناعي سوف يساهم بشكل فعال في صعوبة تحديد منفذي الهجمات السيبرانية، أو التنبؤ بها، وكذلك دقة تحديد الأهداف المراد الهجوم عليها.

أما من حيث الدفاع السيبراني، فإن الذكاء الاصطناعي سوف يعزز من تقليل مخاطر الهجمات السيبرانية من خلال تحسين عمليات مراقبة الشبكات، وتحديد التهديدات بسرعة، والدفاع عنها تلقائيًّا، وفي ظل زيادة التداخل بين المجالين المادي والافتراضي، تبقى الهجمات السيبرانية المعززة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عرضة لمضاعفة تأثيرها في المجالين معًا بشكل يصعب تحديد الآثار المترتبة عليه، والتي تمثل (Black Box)، بالإضافة إلى اتساع المدى المستهدف من جانب تلك الهجمات، كما أن هذا الأمر يحفز الهجمات التي تستهدف التحكم في أنظمة الروبوتات والأسلحة ذاتية التشغيل، وهو ما يمكن تسميته بـ "برمجيات التسليح" (Weaponized Software).
إن التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي ستقترن في المدى القريب بانتشارها والتوسع في استخدامها في المجال العسكري، سيترتب عليها إحداث العديد من التداعيات الأمنية، والتي ستنعكس بشكل أو بآخر على زعزعة استقرار الأمن العالمي، وإطلاق سباق تسلح جديد، إلا أنه في هذه المرة سيكون لامتلاك الأسلحة المعززة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
وفي ظل غياب القواعد والسياسات الضابطة لاستخدام تلك التكنولوجيا في المجال العسكري فستتمثل أهم التداعيات على الأمن العالمي في شيوع حالة من عدم اليقين، وتعدد التهديدات في المجالين المادي الواقعي والافتراضي، هذا بالإضافة إلى إحداث العديد من التحولات في طبيعة وخصائص التهديدات الأمنية، بل وطرح أشكال جديدة من التهديدات على الساحة الأمنية.
الطائرات دون طيار "الدرونز" (Drones)

يعتبر هذا النوع من الطائرات هو حصيلة توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الصناعات العسكرية، ويشير مصطلح "الدرونز" (Drones) إلى الطائرة ذات التحكم الذاتي، أو التي يتم التحكم فيها عن بعد، أي من دون طيار، ولذا اصطلح على تسميتها "الطائرة غير المأهولة" أو"أنظمة الطائرات غير المأهولة"، وقد ظهر هذا النوع من الطائرات سنة 1917، وتحديدًا في المملكة المتحدة، ثم تم تطويرها سنة 1924، وذلك بعد انتقالها للعديد من البلدان، وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي سابقًا، الولايات المتحدة، ألمانيا.
تُعدّ الحرب العالمية الثانية أول اختبار فعلي لاستخدام الطائرات من دون طيار، إذ أتاحت هذه الحرب فرصة كبيرة لاستخدام هذا النوع من الطائرات، إذ تم استخدامها في الأغراض التدريبية، وكصواريخ موجهة، وفي التصدي للطائرات الحربية المأهولة بالطيارين، كما تم استخدام هذه الطائرات في العمليات الاستخباراتية، وذلك بعد حرب فيتنام (1955-19755).
في 1999، تم استخدام هذه الطائرة للمرة الأولى في الهجوم على كوسوفا، وذلك عبر تزويدها لأول مرة بالصواريخ، ونظرا لعدم صلاحية استخدام الطائرة الدرونز الواحدة في أكثر من عملية، فقد أنتجت الولايات المتحدة منها نحو 15000 طائرة عبر مصنع يقع جنوبي كاليفورنيا، ومن المتوقع أن يقترب الإنفاق العالمي عليها من 100 مليار دولار مع نهاية العام الجاري (2019)، وذلك نتيجة للتطور المستمر في صناعتها، والطلب المتزايد على اقتنائها.
يوجد العديد من الدول التي تتطلع لتطوير هذا النوع من الطائرات لتصير بديلا عن الطائرات الحربية المأهولة من المقاتلات والقاذفات بما في ذلك القاذفات النووية، وتعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل من أولى الدول الساعية في هذا المجال، وذلك لأنهما يهيمنان على سوقها ويتحكمان في مفتاحه بوصفهما المنتجين الرئيسين عالميًا للطائرات من دون طيار، خاصة إسرائيل التي تعتبر المصدر الرئيسي لهذه الطائرات.
الروبوتات ذاتية التحكم (Self-control robots)

تُعدّ الروبوتات العسكرية ذاتيّة التحكم من أكثر أنواع الأسلحة الذكيّة تقدما، إذ تستطيع هذه الروبوتات بمفردها، ودون تدخل بشري، أن تبحث عن هدفها، وتشتبك معه، بناءً على وصف، ومُحدِّدات مُبرمجة، والتي بإمكانها أنّ تقوم بغرضها الأساسي برًّا، وفي قلب السماء، وعلى سطح الماء، وفي أعماق البحار، وتسعى شركة "بوستون ديناميكس" (Boston Dynamics)، وهي شركة روبوتات حديثة، الي تطوير أجهزة روبوت عسكرية.
أطلقت "بوستون ديناميكس" على موقعها الالكتروني فيديو يوضح جديد ما توصلت إليه في هذا المجال، وقد حذرت مجلة العلوم الامريكية في موقعها على شبكة الانترنت من خطورة ترك الروبوتات تضغط على الزناد، وذلك لأن هذا الأمر يُشكِّل تهديدًا خطيرًا للمدنيين، وقد يؤدِّي إلى وقوع بعض السيناريوهات الأكثر كآبة والمتمثلة في خروج هذه الروبوتات ذات الذكاء الاصطناعي عن السيطرة، لذا تشتد الحاجة إلى فرض حظر على الروبوتات القاتلة، مثل ذلك المفروض على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، غير أن بعض القوى العسكرية الكبرى تعارضه.
تابع أحدث الأخبار عبر