جرائم بروح العصر.. الذكاء الاصطناعي في خدمة الجريمة المنظمة (2)
«الإنسان فعلها أخيرًا».. روبوتات قادرة على التعلم والتفكير

يتعجب الكثير من الناس عندما يسمعون أن الإنسان الآلي يمكن استخدامه في ارتكاب الجريمة المنظمة، وان جماعات الجريمة المنظمة تستغل التطورات التكنولوجية الحديثة في أعمالها العنيفة، ويرجع ذلك إلى قدرة هذه الآلات على التعلم والتفكير.
العقد التاسع من القرن الماضي شهد إدماج أنظمة الذكاء الاصطناعي ضمن الأنظمة الإعلامية الموجودة وانتشارها بشكل عمومي وإحراز تقدم في عدد من المجالات الأساسية التي ترتبط بالمستقبل وخاصة نظم التعلم والتفكير.
المصادر التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي في التعلم والتفكير

يستمد الذكاء الاصطناعي قوته من العديد من المصادر، وذلك على غرار المنطق والعلوم العرفانية واللسانيات والعلوم العصبية والبيولوجيا والفلسفة، كما يقوم الذكاء الاصطناعي بالبرهنة الآلية على النظريات ويعالج الكلام الطبيعي المكتوب، ويعالج كذلك القول الشفوي بشكل آلي وفوري، بل ويؤول الصور ويسمح بالرؤية بواسطة الحاسوب ويصنع الإنسان الآلي الذي يسعى لتعويض الإنسان العادي في كل شيء ويقوم بكل الوظائف بدلًا عنه مثل الألعاب وأنظمة الخبرة.
على ما يبدو، ترتكز المقاربة التي يعتمدها الذكاء الاصطناعي في المقام الأول على استعمال المعرفة عن طريق الاستنتاج، مع توظيف الشبكات الدلالية في الاستشراف والتوقع، ووضع الخطط الممكنة، وتقديم البدائل الافتراضية، وتخيل الفرضيات المستقبلية للواقع، والذكاء الاصطناعي يساهم أيضا في بناء أنساق متكيفة تستطيع الجمع بين النماذج الرمزية والنماذج التواصلية التي تهدف إلى المحافظة على الذاكرة الترابطية وكونية الذاكرة ثلاثية الأبعاد وتطوير آلات إتصال أكثر قربًا وسرعة وإيجاد توثيق دقيق وذكي للمعلومات والبرامج المخزنة بواسطة استراتيجية الخيارات الأكثر معلوماتية والأقل كلفة والأكثر جاهزية على تقديم الإضافة، وإيجاد الحلول للمحركات المعطلة والمتوقفة عن التدفق.
الإنسان وحلم اختراع كائنات اصطناعية ذكية

في الوقت الراهن، يشهد الذكاء الاصطناعي تطورًا اقتصاديًا هامًا للغاية، تم ترجمته في المشاريع الكبرى المتعلقة بالبحث الوطني والدولي في الدولة المتحكمة في سيادة العالم، وعن طريق التطبيقات التي عرفت نجاحات كبيرة في مختلف المجالات الصناعية وغيرها وداخل قطاع الخدمات والإدارة، وقد رجع المنظرون للذكاء الاصطناعي إلى الجذور والينابيع الأسطورية والدينية عند الإغريق وغيرهم من الشرقيين معتمدين على مقاربات متنوعة وتعريفات مختلفة تبعًا لتنوع واختلاف التقاليد والإحالات التي اعتمدوها، وأخذوا من التراث والتاريخ ما يدل على قدرة الكائن البشري على خلق كائنات اصطناعية ذكية شبيهة بالإنسان، وتكمن الصعوبة في عبارة الذكاء الاصطناعي من ناحية الذكاء نفسه، وليس من ناحية الاصطناعي، إذ أن "الذكاء" مطلب عزيز وقيمة ثابتة يبحث عنها الكل، وتتداخل فيه العديد من العوامل.
الذكاء الاصطناعي في حياتنا المعاصرة

أصبح الذكاء الاصطناعي أمرًا ضروريًا في حياتنا المعاصرة، وبات له تأثيرًا كبيرًا في العديد من المجالات الحيوية والقطاعات الحساسة، وتحديدًا في القطاعات الاقتصادية، وما يتعلق بالصناعة والبنوك والمالية والنقل والمؤسسة العسكرية والفضاءات التجارية والتسويق، وفي ظل التطورات المذهلة في الشبكات العصبية العميقة، وخاصة في مجال الإدراك، تراجع الاهتمام بالذكاء الاصطناعي.
في العام 1956، أحاط الكثير من الغموض والالتباس الحقل الدلالي والسياق المفهومي الذي ظهر فيه الذكاء الاصطناعي، وقد ظل هذا الأمر إلى الآن محل سجال وجدل بين المؤرخين ومعظم المتابعين للثورة الرقمية، أن الذكاء الاصطناعي يتعلق بالكيفية التي تفكر بها الآلات عن طريق خيرة الأدمغة البشرية والحواسيب والأدمغة الالكترونية من حيث كونها منظومات رمزية ذات بنية معقدة تؤدي مهمات جديدة، ويتضمن الذكاء الاصطناعي بطبيعة الحال تلك القدرات المكتسبة التي يحصل عليها الذكاء البشري بشكل طبيعي مثل التعلم والحصول على المعرفة والاستدلال واتخاذ القرار، ويزيد قدرات جديدة دقيقة وأكثر تنظيم ومرتبطة بالماضي أو بالمستقبل في التوقع والاستشراف.
إن عمل الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل اساسي على إعادة الإنتاج بواسطة برنامج يتم تخزينه في الحاسوب، ويتضمن هذا البرنامج جملة من التصرفات الذكية دون تدخل الكائن البشري ودون الاكتفاء باستنساخ الوظيفة الأصلية للدماغ، ووفقا لهذا المعنى فان الذكاء الاصطناعي يمثل فرعا متطورا للغاية من علوم وتقنيات التحكم والتوجيه، والتي تستعمل مجموعة من الآليات الدقيقة من أجل تحقيق العديد من المكاسب المتطورة.
اتجاهات الذكاء الاصطناعي
للذكاء الاصطناعي اتجاهين، يرى أنصار الاتجاه الأول أن الذكاء الاصطناعي الرمزي يعتبر نفسه الاختصاص المركزي الذي تتحرك حوله جملة من الاختصاصات الأخرى على غرار الألسنية وعلم النفس، ويهتم هذا النوع من الذكاءات بالوظائف العرفانية العالية، ويسعى للبحث عن قوانين عامة تسمح بوصف وإعادة وصف العالم، ويقر بأن البلورة الإعلامية تعيد إنتاج التصرف الموصوف بالذكاء بصورة تكاد تكون وفية ومطابقة وتحوز بهذا التفسير على صلاحية نفسية وعرفانية متينة.
يرى أنصار الاتجاه الثاني أن الذكاء الاصطناعي العصبي يعتبر نفسه الاختصاص المركزي الذي تتحرك حوله جملة من الاختصاصات الأخرى، ويرتكز هذا النوع من الذكاءات على الفيزيولوجيا العصبية، ويعتبر القوانين العامة تنبثق بصورة طبيعية عن طريق التعلم، ويقر بأن البرنامج يمكن أن يحاكي بطريقة خارجية ناشطًا ذكيًا، حيث تكون المداخل مطابقة تقريبًا مع المداخل والمخارج التي يقوم بها الإنسان في وضعية مماثلة، ويبحث في أشكال المحاكاة بين اشتغال الحاسوب والاشتغال البشري.

إن وحدة الهدف المتمثلة في محاكاة الذكاء وإعادة إنتاجه هي التي تجمع بين الاتجاهين الرمزي والعصبي، في ذات السياق يؤدي انتقال الذكاء الاصطناعي من التحرك حول الإعلامية الكلاسيكية إلى الإعلامية المتقدمة إلى ارتباطه بالهندسة والتخلي عن الطموحات الشمولية التي يدعيها، والاقتصار على معالجة الذكاء في مجموعه تسمى الحقبة الرمزية، تلك الحقبة التي يستند فيها الذكاء الاصطناعي على تمثلات للعالم الخفي بواسطة عدد من الرموز التي أضيف إليها الترابطية أو العصبية التي تتحدى البرنامج الأصلي للذكاء الاصطناعي الرمزي.
إذا كانت المقاربة العصبية تعتبر أن الذكاء الاصطناعي الرمزي قد وقع في تشويه كبير حينما قام بمعالجة المشاكل العرفانية التي تنتمي إلى مستوى عال على غرار الاستدلال وفهم الكلام بدل الاكتفاء بمعالجة مشاكل شبه عرفانية تبقى قريبة من قوام الذكاء والمتمثل في الدماغ، فإن المقاربة التواصلية تبحث عن محاكاة الدماغ في مستوى تنظيمه الداخلي وبنيته الهيكلية وفي مستوى تدفق المعلومات وعن إيجاد حلول كافية المشاكل التي صعب على الذكاء الاصطناعي الرمزي معالجتها بشكل كاف ومرضي.
بطبيعة الحال تحوز المقاربة الترابطية على الذكاء عن طريق بعض الانجازات الإعلامية في رؤية الحد الأدنى وعبر القدرة التي يمتلكها النسق على تفعيل ارتباطات بين الوحدات العرفانية التي يتكون منها، ولم يبق الذكاء الاصطناعي مجرد استعارة تنتمي إلى ماضي العلم، وإنما تطور بشكل واثق وأصبح واقعا ملموسا وتكاثرت المقالات المبتكرة والبحوث المتطورة فيه وتوصلت إلى نحت جهاز مفاهيمي خاص به، كما يعتمد الذكاء الاصطناعي على نماذج ابستيمولوجية مرنة وخوارزميات تكوينية معقدة ويقوم بكشوفات رياضية مبتكرة وتطبيقات فيزيائية وبيولوجية ثمينة ويجمع بين الترابطية وإستراتيجية العجلات العصبية.

إن التحليل الآلي الذي يقوم به الذكاء الاصطناعي للغة الطبيعية يعتمد على التحليل الحتمي للكلام وتقسيمه إلى وحدات وعناصر أساسية، وبعد ذلك ينتقل إلى الكشف عن شبكات التحويلات والانتقالات المضاعفة ويحرص على تخليص آليات الفهم من الأخطاء ويقوم بتقسيم النحو إلى جوانب صورية ومقولية ودلالية وعرفانية ويعالج الصعوبات التي تحدث عند الكلام ويوفر أدوات مساعدة على النطق والتعبير والتبليغ ويطرح استراتيجيات لتحليل الخطاب ومعالجة الكلمات وتنظيم مصادر المعرفة والرجوع إلى الإحالات.
أما المنطق الذي يفكر به الذكاء الاصطناعي فلا يقتصر على المنطق الكلاسيكي الذي يظل يدور حول البديهيات والمبادئ والأوليات الموروثة عن الإغريق والمطورة بواسطة الرياضيين المحدثين، وإنما تشمل المنطق الجديد الذي ينجز حسابات حول القضايا والمحمولات والعلاقات من جهة الدلالات والخصائص والتركيبات البنيوية ويمتحن الأوليات ويراجع البديهيات ويغير في جل المنطلقات والمصادر والتطبيقات.
تابع أحدث الأخبار عبر