المعذبون في الأرض.. حالة طلاق كل دقيقتين.. مَنْ الجاني؟

«طالق» كلمة خفيفة على اللسان، لكنها أساس «خراب» البيوت، كم ضحية بسبب هذه الكلمة؟، بيوت مفككة، أطفال مشردون، خناقات بالجملة.. في آخر إحصائية لـ الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، كشف عن مفاجأة من العيار الثقيل، «حالة طلاق كل دقيقتين»، خاصة بين المتزوجين حديثًا، وبلغت النسبة 14.7% لعام 2022، الأمر يستدعي التدخل العاجل لوقف هذا الانهيار الأسري ودراسة أسباب الطلاق والعوامل التي تؤدي له، «الحادثة» توجه إلى المختصين لوضع روشتة عاجلة وحلول عملية لمواجهة ظاهرة الطلاق التي باتت أسرع من النار في الهشيم.
أستاذ علم نفس يحدد 4 عوامل للطلاق ويكشف عن العلاج
بداية، يكشف الدكتور فتحي الشرقاوي، أستاذ علم النفس، نائب رئيس جامعة عين شمس، أسباب تزايد نسب الطلاق مؤخرًا، ويؤكد أن الارتفاع يعود إلى 4 أسباب رئيسية، أولا، الأسباب الاجتماعية والثقافية، والتي تنتج عن التدخل المستمر من الأهل في الشئون الداخلية للزوجين، نظرا لصغر سنهما، مما أدى إلى كثرة الصدام والمشاحنات بينهما، وبالتالي الانفصال، وعدم التوافق الثقافي والاجتماعي بين الزوجين، مما يترتب عليه عدم قدرتهما على التفاهم والحوار واتخاذ القرارات المشتركة بينهما.
ثانيًا أسباب النفسية، وفقًا للدكتور فتحي الشرقاوي، وترجع إلى عدم التأهيل النفسي الكافي للمقبلين على الزواج، إذ يفتقدون التفاعلية في ممارسة أدوارهم الزوجية القائمة على الاستقلالية والاعتماد على النفس، علاوة على ذلك عدم قدرتهم على تحمل مسئولية بناء أسرة وأبناء.
أما الأسباب الدينية، يوضحها الدكتور فتحي الشرقاوي، قائلا: «ضعف الوازع الديني من أهم أسباب ارتفاع نسب الطلاق، إذ جعل الدين الإسلامي الطلاق في أضيق الحدود، حتى لا نتسرع في اتخاذ خطوة الطلاق، فالوازع الديني يعد صمام الأمان للطرفين، والذي يحض على التعاون والتكاتف في مواجهة ضغوط الحياة والآثار وأفكار الذات والمحبة والمودة».
وعن العوامل الاقتصادية، يقول الدكتور فتحي الشرقاوي: «الضغوط المادية التي تفوق قدراتهم الحقيقية، ما أثر ذلك بالسلب على كيفية معايشتهم نتيجة كثرة الضغوط المرتبطة بالإنفاق والشراء وكافة الخدمات اليومية الأسرية، أيضا التطلع والطموح المبالغ فيه، والذي لا يتناسب مع الإمكانات، مما يعجل بانهيار الأسرة، نتيجة سعي كل منهما تحقيق أهدافه بعيدا عن الطرف الآخر».

ويوضح الدكتور فتحي الشرقاوي تأثير الطلاق على الأطفال، قائلا، إن التربية السليمة للأبناء تتطلب اتفاق الزوجين على أساليب تربية واحدة، وبمجرد وجود أي نوع من المشاكل بين الزوجين يؤثر بالسلب على الأبناء الذين يعيشون في أجواء من العنف والمشاحنات والكراهية، مما يجعلهم مضطربين نفسيا وسلوكيا، وقد يستمر هذا الاضطراب معهم من الصغر حتى الكبر.
وحول التغلب على ارتفاع معدلات الطلاق، يطالب الدكتور فتحي شرقاوي، بعدة معايير للحد من زيادة معدلات لطلاق، منها، الاختيار الجيد لشريك الحياة قبل إتمام الزواج، التأكد من قدرة الطرفين على تحمل مسئولية بيت وأسرة وأبناء، تنمية الوازع الديني لأنه صمام الأمان للطرفين، البحث عن مجالات عمل إضافية لتحسين الدخل لمواجهة الضغوط المادية، والاقلال من تدخل الأهل في مشكلات الزوجين.
إخصائي نفسي تكشف عن حالات تأثرت نفسيًا بعد الطلاق
تتفق معه في الرأي، هناء هاشم، إخصائي نفسي، قائلة: «إن الطلاق يعود بأثر سلبي على نفسية الأطفال ويدفعهم نحو الخروج عن تقاليد المجتمع، وينمي لديهم الرغبة في الجريمة».
وتكشف هناء هاشم عن بعض الحالات التي قابلتها خلال عملها، موضحة: «جاءت أم مطلقة مع ابنتها لتتركها في مؤسسة الرعاية بسبب تركها المنزل عدة مرات، فعثر مشرفو المؤسسة على آثار تعذيب بجسم الطفلة، فتولت المؤسسة رعايتها، وبدأت في عمل جلسات تأهيل نفسي للطفلة، وإدخالها المدرسة لاستكمال تعليمها».
حالة أخرى تعاملت معها هناء هاشم نفسيًا، عندما تركت الأم ابنتيها للأب بعد الانفصال، الفتاتان تأثرتا نفسيا مما دفع الصغرى، 7 سنوات، إلى «حلق شعرها» تعبيرا عن غضبها، وظلت الأم لا تريد رؤية طفلتيها لسنوات، حتى عانيتا نفسيًا ولجأ الأب إلى إخصائي نفسي لمعالجة ابنتيه.
وعن أهم عوامل تفكك الأسرة ووقوع الطلاق، تقول: «إدمان الأب للمخدرات أخطر شيء على تماسك الأسرة، مما يضطر الأم للتكفل بجميع مصروفات المنزل، وخروجها للعمل، وهنا لا تجد وقتا لتربية الأطفال تربية سوية، وهناك أمهات يلجأن إلى التسول ويجبرن أبنائهم على التسول في الشوارع لتغطية مصاريفهم».