أحدث الأخبار
السبت 19 أبريل 2025
رئيس التحرير
محمد أبو عوض
رئيس التحرير التنفيذى
أحمد حسني

الجريمة المنظمة والطائفية في نيجيريا (2)

الهوسا والفولاني.. دراسة التركيبة السكانية والإثنية في نيجيريا

التنوع الإثني في
التنوع الإثني في نيجيريا

تعد التعددية الإثنية والعرقية من الأنماط البارزة لنيجيريا، وتبقى الإشكالية أمام العديد من الباحثين عند دراسة التركيبة البنيوية والإثنية في نيجيريا، أنهم لا يستطيعون تحديد المجموعات الإثنية بشكلها الواقعي، بسبب المميزات المحددة لتلك المجموعات، والتي قد تكون تغيرت نظرًا للعوامل التاريخية والجغرافية المكانية.

التنوع الإثني والعرقي في نيجيريا

يرجع التنوع الهائل في البنية الاثنية والثقافية في نيجيريا إلى وقوعها في نقطة التقاء طرق الهجرات في القارة الأفريقية شرقا وغربا وشمالا، علاوة على أثر الاستعمار الغربي والذي خلفه في نيجيريا، وبناء عليه كل مجموعة سكانية تحتفظ بثقافتها ولغتها وتنظيمها الاجتماعي، ويتألف مجتمع نيجيريا من حوالي 250 مجموعة قبلية، تختلف كل قبيلة عن الأخرى في حجمها وأوزانها النسبية ومدى تأثيرها على الصعيد السياسي، كما تختلف في لغتها وثقافتها وفي الهيئات والعادات والتقاليد.

التنوع الديني والعرقي في نيجيريا

تقول بعض المصادر بإن عـدد الجماعات الإثنية في نيجيريا قد بلغ حوالى 374 جماعة، بينما بعض المصادر الأخرى تذهب إلى القول بوجود أكثـر من 400 جماعة إثنية، في عمومها تنقسم إلى أقليات إثنية وأغلبية إثنية، وتتمثل العرقيات ذات العدد الأكبر والأقوى نفوذا على الصعيد السياسي في الهوسا والفولاني، أو من يطلق عليهم الهوسـا فولاني (Haoussas-Fulanis) الذين يسكنون الشمال، وقبائل اليوريا (lesYorubas) الذين يسكنون الجنـوب، وقبائل الإيبو (les Ibos) الذين يسكنون الجنوب الشرقي، وقد كانت تلك الأقاليم الثلاثة التي تسكنها هذه الجماعات الإثنية أساس تشكل الدولة الفدرالية الحديثة فى نيجيريا، والتي انطلقت منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1960م، باعتمادها النظام الفدرالي من ثلاث أقاليم.

أبرز القبائل في نيجيريا

أما المجموعات والقبائل الصغيرة فبقيت رافضة هيمنة المجموعات الكبرى واحتفظت بثقافتها، وهذه المجموعات تتوزع كما يلي: في الشمال يوجد كلا من: "الكانوري- النوفي- التيف"، بينما توجد قبيلة "الإيدو" في الجنـوب الغربـي، وفي الجنوب الشرقي تتواجد "الايبيبـو والايفيك"، وكل هذه المجموعات تشكل حوالى 96% من سكان نيجيريا، والفئات المتبقية تمثل مجموعات صغيرة جدا مثل: "الريفرز، أناج، الكروس، الإيجاو، أوهويو، نوبية، أدو"، وغيرها، وقد تم تقسيم نيجيريا إلى حوالي 36 ولايـة للحد من التنافس الإثني فيها، وكما ألمحنا فإن نيجيريا بها أكثر من 248 مجموعة لغوية على رأسها الهوسا والفولاني واليوروبا والإيبو.

التنوع اللغوي في نيجيريا

 

أهم القبائل الكبرى في نيجيريا على النحو التالي:

قبائل الهوسا في نيجيريا

"الهوسا" مصطلح يطلق على هؤلاء الذين يتكلمون لغة الهوسا، وهي إحدى اللغات الإفريقية الرئيسية الثلاث (العربية – السواحيلية – الهوسا)، ويتكلم بها المسلمون في إفريقيا، وقد تأثرت الهوسا كثيرًا باللغة العربية لاسيما بعد انتشار الإسلام في غرب إفريقيا، ولقد جعلت العلاقة بين العرب وتلك القبائل لغة الهوسا أقدم لغة افريقية تكتب بالحروف العربية، وعليه فالهوسا كلمة تعني اللغة، كما تطلق على المتحدثين بهذه اللغة.

وهناك افتراض أن لهذه الكملة مدلولا جغرافيا، إذ اندمجت كل هذه الفئات التي يجمعها إطار جغرافي واحد في إطـار ثقافي ولغوي واحد أيضًا، متخذة من الهوسا لغة جامعة لها، وبذلك يتفق عدد كبير من المؤرخين على أن كلمة هوسا لها مدلولا لغويـا أكثر من أن يكون لها مدلولا عرقيا، وان الهوسا ليست قبيلة بحد ذاتها بقدر ما هي أمة تتشعب منها مجموعـات سـكانية مختلفـة الأطياف، فالهوسي قد لا تستطيع تمييزه عن طريق ملامحه الجسمانية بقدر ما تظهره لغته (الهوسا). 

يرى بعض علماء اللغة أن اسم هوسا ينقسم إلى قسمين: (han) بمعنى اركب، (Sa) بمعنى الثور، فكان معناها راكب الثور أو اركب الثور، ويعتقد أكثر المؤرخين أن لغة الهوسا قديمة للغاية، إذ كانت موجودة ومستخدمة من قبل وصول الغوبير (ghubair) إلى نيجيريا الحالية، فبرغم من كون استخدام الثور كوسيلة نقل أمر غريب عن أهل غوبير، وبرغم الإشارة إلى أن استخدام الثور من "أباجيدا "مؤسس قبائل الهوسا القادم من بغداد حسب روايتهم (أسطورة أبو يزيد)، إلا أن هذا الرأي مستبعد من قبل المؤرخين، لأن الأبقار لم تمثل شيئا في حياة قبائل الهوسا، فالهوسي قبل أن يكون راعيا للأبقار كان تاجرًا مثل الفولاني، ومن ذلك فليس هناك جنس ينتمي لهذا الاسم، فقبائل الهوسا لا تنحدر من دم واحد، بل أغلبهم جاء نتيجة امتزاج بـيـن جماعات قبلية، وعرقية كثيرة: أهمها السودانيين، أهل البلاد الأصليين، الطوارق والبربر.

إحدى قبائل الطوارق - أمازيغ الصحراء

 

الطوارق - أمازيغ الصحراء

والطوارق أو من يطلق عليهم أمازيغ الصحراء، هم شعب من البدو الرحل المستقرين، ويلقبون بالرجال الزرق، يعيشون في الصحراء الكبرى لاسيما في صحراء الجزائر، ليبيا، النيجر، بوركينافاسو، وهم مسلمون من السنة ويتبعون المذهب المالكي مع بعض العقائد الإفريقية، يتحدثون اللغة الأمازيغية بلهجاتها الماجيقية والتماهقية والتماشقية، ومنهم من يتحدث اللغة العربية بلهجتها الجزائرية الصحراوية، ويرجع أصولهم كما يرى بعض المؤرخين إلى أحفاد الغرامنت الذين عاشوا في سهول فزان بليبيا، وتفسير كلمة الطوارق كما في الأمازيغية مأخوذ من كلمة تارك (targa) وتعني صب الماء أو الساقية.

ذكر ابن خلدون في مقدمته أن كلمة الطوارق مأخوذة من كلمة التوارك، وذلك لتركهم المسيحية ودخولهم الإسلام إبان الفتوحات الإسلامية، والطوارق ينقسمون إلى عدة أقسام: طوارق الاهقار، وطوارق الايير، وطوارق عسكر، وهم انقي عناصر الطوارق، وطوارق افوغاس، ويسكنون الجنوب والجنوب الغربي من الصحراء، وطوارق أومييدان، وهؤلاء من بينهم طوارق النيجر وتمبكتو، وتنقسم الأقسام المذكورة إلى طبقتين السادة النبلاء وقبائل التابعين الموالين، ويذكر أن المرأة الترقية لها مكانة رفيعة إذ تتمتع بكامل الحرية كما تتمتع بقدر كبير من الاحترام.

بربر الصحراء

أما البربر فهم سكان الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا، يعيشون في شمال إفريقيا، والبربر هم الأمازيغ، ومن المعلوم أن سكان شمال إفريقيا يفضلون هذه التسمية –الأمازيغ- نظرًا لمدلولها، إذ تعنى الأحرار والأسياد، بدلا من التسمية اليونانية "البربر"، فالبربر تعني الأجانب، وقد ظهرت كلمة البربر عقب نهاية الإمبراطورية الرومانية، واختلف المؤرخون العرب في أصل التسمية بالبربر، فهي كلمة إغريقية تطلق على من لا ينتمي إلى الحضارة اليونانية، فـ "هيرودوت" المؤرخ اليوناني أطلق وصف البربر أو البرابرة على المصريين القدماء والفرس، ولعل بقاء شمال أفريقيا خاضع للنفوذ الروماني حتى الفتح الإسلامي يفسر بقاء اسم البربر لصيقا بشعوب هذه المنطقة، ومعني البربرة التمتمة وكثرة الكلام، ويرى البعض أن كلمة البربر مزدوجة، فالبر في اللغة العربية تعنى الصحراء.

وقد أدى امتزاج هذه المجموعات، التي توحدت، واستقرت فى بيئة واحدة، إلى إفراز لغة، وثقافة، وعادات وتقاليد متميزة عرفت جميعها بالهوسا، هذه اللغة انتشـرت بصورة كبيرة في إفريقيا الغربية، إلى درجة أنها تمثل في بعض المناطق اللغة الأولى أو الثانية وهذه المناطق مثل: نيجيريا، النيجر، غينيا، غانا، مالي، السودان،... وغيرهم، وتجدر الإشارة إلى أن نيجيريا والنيجر هما أكبر مراكز تجمـع الهوسـا، كما أنهم ينتشرون في دول غرب إفريقيا في كل من غانا، مالي، بنين، غينيـا، سيراليون، سـاحل العـاج (كوت ديفوار)، و بوركينافاسو، كما ينتشر بعض الهوسا فى أواسط إفريقيا في شمال الكاميرون، تشاد، والسودان.

والناظر إلى البنية السياسية لبلاد الهوسا، يجد أنها تضم مجموعة من الأقاليم التى تتحدث بلسان واحد، ولكل إقليم أميـر يسير أمـور إمارته، أوسط هذه الأقاليم كاشنة، وأجدبها غوبر، وأوسعها زكزك، وأبركها كانو، ويذكر أن لفظ الهوسا هو من الأخطاء الشائعة، والصحيح هو شعب الحوصا، وهذا اللفظ هو المستعمل في كثير من الكتابات، وبالنظر إلى الخريطة نجد أن بلاد الهوسا تشمل المنطقة الممتدة من جبال الأيير شمالا، والصحراء الكبرى حتى السفح الجنوبي لهضـبـة جـوس جنوبا، ومن حد مملكة بورنو شرقا حتى واد النيجر غربا، وهذه المنطقة تعرف فى الوقت الحالى بجنوب بشمال نيجيريا وجنوب النيجر.

وللعلم فإن رقعة بلاد هوسا قد توسعت عن حدودها الأولى، بل هي في ازدياد وتوسع مستمر، وقديمًا لم تكن لهذه الأرض مسميات محـددة، وإنمـا سميت كازار هوسا، أي بلاد لغة الهوسا، والهوسا هنا هي اللغة المعروفة منذ زمن بعيـد، وهي اللغة الوحيدة آنذاك، وتقـوم الوحـدة الاجتماعية في مناطق وبلاد الهوسا على أسس إقليمية أكثر من قيامها على أسس قبلية، وانطلاقا من ذلك كانت الشعوب والقبائل المتحدثة بلغة الهوسا ساكنة ومبعثرة في تلك المناطق منـذ أمد بعيد.

ويذكر المؤرخون أن هذه الشعوب كانت عبارة عن عائلات مرتبطة، تعمل في الزراعة وتسكن الأراضي الخصـبة، وتجمعها صلة قوية، وهي لغة الهوسا، التي يتحدثون بها، وقد كان هناك رابطة أخرى تربط تلك الولايـات، وهي الرابطة التجارية، وبعد مرور فترات طويلة من الزمن تكاثرت هذه الشعوب والجماعات وتجمعت، ثم تطورت الأوضاع حتى تم تكوين ولايات عدة مستقلة استقلال ذاتيا.

أما عـن تـاريخ النشـأة فمن الواقع أن المؤرخين لا يعرفون شيئا عن ذلك، فلم يذكر أحد المؤرخين شيئًا عن المدة التي أخذتها قبل تطورها إلى ولايات، وكل ما ذكر ما فى هذا الأمر أنه كان هناك مجموعات زراعية وقبائل مبعثرة مستقرة في المنطقة -شمال نيجيريا حاليًا–، كل مجموعة مستقلة عن الأخرى لا تجمعهم سوى لغة الهوسا، ومع مرور الزمن ازداد العدد وتكاثرت هذه المجموعات وتجمعت إلى أن تطورت لولايات في القرن الحادي عشر الميلادي، وهي: كانو، دورا، زرایا، غوبير، زنفرا، کتسینا، رانو، كل منها تستمد اسمها من قاعدة حكمها وملكها، ويحيط بالمجموعة سـور كبير، وخندق مائي عميق يحميانها من أى هجمات خارجية، ومنذ ذلك التاريخ ازدهر بعض هذه المجموعات، وأصبحت مراكز تجاريـة وملتقى القوافل التجارية القادمة من شتى الأنحاء.

قبائل اليوروبا في نيجيريا

تسكن قبائل اليوروبا جنوب غرب نهر النيجر، ويتحدثون لغـة اليوروبـا، ويدين جزء منهم بالإسلام، وبلاد يرب بلدة كبيرة واسعة ذات أنهار وأشجار وجبال ورمال، ويحتلـون المرتبة الثانية بعد الهوسا، وتتكون قبائل اليوروبا من سبع ولايات، لكل ولاية منها زعيمها الخاص من أصل 36 ولاية في نيجيريا، وهي: لاجوس، أوشن، أويو، ايكتي، كوارا، أوندو، كوغي شرق دولة البينين، كما تتواجد جاليات اليوروبا في الكثير من دول غرب إفريقيا، ولكن يطلق عليها مسميات مختلفة، مثل: أناغو في غانا، كاتنغا لدى الشماليين، لوكومي في جنوب أمريكا، وقد أطلق عليهم الاستعمار البريطاني مصطلح (Aku)، نسبة إلى كلمة التحية عندهم.

لم يذكر التاريخ أن هذه القبائل شكلت كيانات سياسية موحدة، لكن كانت ممالكها تتعايش تارة وتتصارع تارة أخرى، وكانت ولاية الإيدو في بينين تتمتع بقوة عسكرية وسياسة، ومن خلال ذلك سيطرت وهيمنت على المنطقة إلى جنوب غرب نيجيريا حتى القرن الثامن عشر، وهناك مجموعات فرعية متعددة لليوروبا، أهمها: الإيغبا، الاوندو، الإيغبادو في ولاية أوغون، الآووري، الإيكالي، والمجموعة الفرعية للإيغبادو في لاجوس، وقد امتزجت كثير من الشعوب في اليوروبـا مثـل: الاببـا، الآجا، الناجو، الإنجو، الأوانجم، الآيو، الجايا، وهم من الساحل الجنوبي، ونتج عن هذا امتزاج أساليب حياتهم ولغاتهم.

وقد شهدت بلاد اليوروبا إبان فترة الاستعمار تنافسًا استعماريا بين بريطانيا وفرنسا، لكنها في الأخير وقعت فريسة للاستعمار البريطاني والتبشير بداية من خمسينيات القـرن التاسع عشر، ومن هنا اقتبست قبائل اليوروبا الكثير من العادات الغربية تحت تأثير الاحتلال الانجليزى، فبدأت تتكلم الانجليزيـة لاسيما عندما أعلنت بريطانيا عن وظائف لمن يجيدون اللغة الإنجليزية، وأكثر اليوروبا يمتهنون الزراعة ويعيشون عليها، ويعمل بعضهم بالشؤون الإداريـة والورشات.

قبائل الإيبو في نيجيريا

تعيش قبائل الإيبو في الجنوب الشرقي لنيجيريا بين الكاميرون ونهر النيجر وبينوي والمحيط الأطلسي، يتحدث أبناء هذه القبائل لغة الإيبو، وهي ثالث أكبر قبيلة في نيجيريا وتأتي بعد الهوسا واليوروبا، يتمركـزون فى مناطق الثـروات الأحفورية فى البلاد، ولم يكن لهؤلاء تاريخ مذكور ولا ماضي معـروف فـي المصادر العربية، فلم تكن هذه القبائل إلا قبائل بدائية، وقد تشجعوا على تعلم الثقافة الغربية بعد الاحتكاك بالانجليز، وهم زنوج نقاه خالصين، تمركز الكثير منهم فـي شكل جماعات بدائية في الغابات الكثيفة، وقد كان أكبر تجمع لهم في مدينة أونيشا (onitha). 

وقد كانـت قبائـل الإيبو متفرقـة لا تجمعها أية رابطة، ولم تتكون القرية إلا من عائلة واحدة، لذلك لم يخضعوا لرئيس أو سلطان أو أمير، ونتيجة ذلك لم يكن للايبـو حكومـة مركزية بمعناها التقليدي، وكان الحكم لديهم يستند لنظام العشائر، أو للكهنة، فلم يعرف أفراد هذه القبيلة شـؤون الحكـم كالهوسـا واليوروبا قبل الاستعمار، فنظامهم السياسي كان نظام القرية، فلم تعرف هذه القبائل الممالك القديمة ولم يعرفوا حياة الملك، وهذا ما أدى إلى فشل نظام اللورد لوغارد البريطاني في هذا الجزء من نيجيريا أثناء الحكم غير المباشر لها، وقد ساهم ذلك في انفصال بيافرا واندلاع الحرب الأهلية فـي منـاطق الايبو.

وفي أثناء الحقبة الاستعمارية كما ألمحنا من قبل اقبلوا على الثقافة الغربية، بتشجيع من الانجليز على الانعزال الفكري عـن المسـلمين، وبدأوا في التعلم بمدارس المبشرين المسيحيين حتى ارتفعت نسبة المتعلمين منهم، وبفضل نبوغهم فـي الثقافـة والسياسة، استلموا نسبة كبيرة من المناصب العليا في الجيش والإدارة، ووصلوا بعد ذلك لمراكز عليا، مثل الدكتور انمـدي ازيكـوي، الذي لعب فيما بعد دورًا هامًا في السياسة ووصل إلى منصب حاكم عام، ومن خلال ذلك حاولوا في فترة ما بعد الاستقلال السيطرة على نيجيريـا، إذ ظهرت حركة انفصال بيافرا.

وفيما يخص التنظيم السياسي للايبو فقد كان قبل الاستعمار مجزأ، إذ ينقسم إلى أكثر من 200 مجموعة فرعية، جميعها لم تعرف الاندماج السياسي، بل كانت مجموعة من القرى يزيد عددها عن ثلاثين قرية، وكانت المدن نادرة عنـد الإيبو مقارنـة بالهوسا واليوروبـا، ولم يكن أفراد قبائل الإيبو موزعين في نطاقات جغرافية كبيرة خلال القرن التاسع عشر الميلادي، بل كانوا من ضحايا الحروب الشائعة وتجـارة الرقيـق، ومما يذكر تاريخيًا أن سيطرة الأوروبيين عليهم قد تأخرت مقارنة بقبائل اليوروبا، إذ وصلت البعثـات التبشـيرية المسيحية إلى بعض مناطقهم في منتصف القرن الـ 19 الميلادي، وتركت هذه البعثات أثرًا بارزًا لديهم خصوصا أنها مولت التعليم.

أدى هذا الانقسام إلى زيادة الصراعات الداخلية في ظل عدم وجود سلطة مركزية تقف أمام هذه الاختلافات، ورغم محاولة من البريطانيين لوضع سـلطة حاكمة لهذا الإقليم، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، لذلك اضطروا إلى عمل مؤسسات إدارية متعارضة مع التنظيمـات المحلية المتعارف عليها والسائدة، علاوة على ذلك أدى نقص الأراضي الزراعية في هذا الإقليم إلى دفع الكثير من سكان هذه المنطقة إلى الانتقال شمالا، وهنالك اشتغلوا كعمالة في التجارة، والنجارة، كما اشتغلوا موظفين وإداريين وكتاب، وشكلوا مستوطنات في الشمال.

بعد تجربة الحرب الأهلية في الفترة من (1967 - 1970م)، انسحب الكثير منهم للمنطقة الجنوبية الشرقية، إذ شعروا بإثنياتهم أثناء الحكم الاستعماري، وقلت في الولايات الجديدة الصـراعات الداخليـة مثل أنامبرا وإيمو، وكان التميز سائدًا فى تلك المنطقة، إذ اشتكى الإيبو الشماليين في ولاية أنامبرا من أن الجنوبيين يحتكرون وظائف الولاية، لكن من الواضح أن الإيبو الجنوبيين قد أتيحت لهم فرص التعليم في وقت مبكر مما أهلهم أكثر لشغل هذه الوظائف والمناصب، ولم يستمر هذا الأمر كثيرا فيما بعد.

وقد ظهرت بهذا مجموعات إثنية وعرقيـة صغيرة أخرى، مثل: الكانوري والايجاو، وغيرهما، والكانوري (kanouri) هي قبيلة تمتد جذورها إلى مملكة الكانوري التي قامت بعد اعتناق كانم (kanem) الديانة الإسلامية، لكنها لم تعمـر طـويلا، وذلـك للاضطرابات الداخلية الشديدة التي عصفت بها، وكان الكانوري يقطنون الشمال الشرقي لولاية بورنو، وهم يشبهون شعب الهوسا فى الكثير من صفاتهم، فأغلبهم ذوي بشرة سمراء وقامة طويلة، وهم خليط بين الدماء العربية والحامية الزنجية، عاصمتهم مدنغري، وقد استقروا في منطقة برنو منذ مئات السنين، وكانت حياتهم في القرى والمدن، كما كانوا يعيشون على الزراعة، وتميزوا بزراعة الفـول السـوداني، وامتهن بعضهم التجارة الداخلية لاسيما مع الفولن والرعاة من عرب الشاوية، الذين جاءوا إلى هذه المنطقة واختلطوا بهم ومارسـوا حـرف الحياكة، الغزل، الدباغة، وجمع الملح.

كما أسس الكانوري دولة قوية على الطريق الرئيسي للتجارة الصحراوية، وهي دولة بورنـو، التي بلغت مجدها في القرن الـ 16 الميلادي، وبذكر أن المجتمع الكانوري قد تكون من شيهو (sheho)، وهو الرئيس السياسي والحاكم الديني لجميـع الكانوري، وهو من علية القوم والنسب الملكي ويمثل الطبقة العليا، أما باقي السكان فهم يمثلون الطبقة العامة، وفي نهاية القرن الـ 11 الميلادي، توسعت إمبراطورية كانم وامتدت مملكتهم على شرق وغرب بحيرة تشاد واستوطنوا بعض أراضي بلاد الهوسا.

أما قبائل الايجاو، فهي قبائل صغيرة استوطن أفرادها منطقة دلتا النيجر الجنوبي الغربي لمنطقة (ewerri)، وكان إقليمهم يتسم بكثرة المستنقعات التي لا تصلح للزراعة، لذلك اعتمدوا فى معيشتهم على الصـيد وصناعة الزوارق، ومن هنا كانوا يفضـلون أراضـي الجداول والأنهار والمستنقعات، وفي العادة كانت بيوتهم تبنى من القش على ركائز مرفوعة فـوق الأرض بأمتار، وبسبب كثرة المستنقعات ومياه الفيضانات كانوا ينتقلون بواسطة الزوارق التي يصنعونها.

وقد مثّل الايجاو المجموعة الإثنيـة الأكبـر في الدلتا، فالايجاو هم رابع اكبر إثنية في نيجيريا، يعود تاريخ معيشتهم فى هذه المنطقة إلى 7000 سنة، وقد توزعوا في الولايات التالية: لأكوا، أبوم، الدلتا، بايلسا، إيدو، أوندو، ريفـرز، وهم أقليات فيها باستثناء بايليسا وريفرز ولدتاو، وبالإضافة إلى عملهم فى الصيد وصنع الزوارق فقد عملوا كبحارة مرشدين للسفن البحريـة والتجاريـة، نظرًا لمعرفتهم الدقيقة للمسارات المائية، جدير بالذكر أن الـرئيس النيجيـري غـودلاك جوناثـان الذى تولى الحكم فى المدة (2010 – 2015م) ينحدر من الايجاو.

وبرغم التعدد والتنـوع داخل المجتمع النيجيري، إلا أن المجموعـات القبلية الثلاث، أي: (الهوسـا/فولا، واليوربا، والإيبو)، هي التي شكلت غالبية السكان.

صراعات دموية أدت إلى سقوط آلاف الضحايا

واشتهرت العلاقات بين تلك القبائل بالصراعات الدموية التي أدت إلى سقوط الآلاف من الضحايا، ويرجع سبب هذه الصراعات إلى التنافس على السلطة بشكل أساسي، أو الاقتتال من أجل الحسابات الاقتصادية، مثلما حدث في الحـرب الأهلية بمنطقـة (يافرا) في نهاية الستينيات من القرن الماضي، والمذابح التى نشبت كثيرا بين المسلمين والمسيحيين، فـي شتى المناطق، وقد أدت الأمور بعد تدهورها إلى حد إعلان الزعيم السياسي المسيحي الجنرال "أنبروس علي"، المنتمي إلى إقليم الشمال المتحكم فيه من قبيلـة الهوسـا - فولاني المسلمة، أن الخلاص الوحيد للمسيحين هو الاستقلال وتأسيس دولـتهم الوطنية فى الشمال، وطالب بالتحرك السريع لتحقيق ذلـك والتحرر من اضطهاد المسلمين لهم للأبد.

لكن القس إجناتوس كايجاما (Ignatius Kaigama) رئيس أساقفة جوس (Archbishop of Jos) يرى أن أعمال العنف والحروب الأهلية التي تعيشها نيجيريا هي أقرب إلى أعمال شـغب منهـا إلـى صراع ديني مسيحي إسلامي، وفي كثير من الأحيان تأخذ هذه الصراعات شكل مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية، ويرى "إجناتوس" فيمن يقولون بأن الصراع دينيا أنهم يتسترون عن إعلان حقيقة الصراع ولا يريدون القول بأن حالة الفقر وسوء المعيشـة وتفشـي الفساد هم سبب ذلك، ويشيد بدور كلا من الزعماء المسيحيين والمسلمين الذين يعملون معا على محاربة التطرف ونشر مبادئ التسامح والعيش المشترك، فيما ترى معظم القيادات الإسلامية في نيجيريا أن الصراع سياسي وليس ديني لأهداف تخدم مصالح البعض.

ورغم كل هذه التصريحات، إلا أن الواقع على الأرض يؤكد أن غالبية تلك الصراعات تأخذ طابع القبلية أو التعصب الديني، فضلا عن الديانات التقليدية، فكل ذلك شـكل بيئة خصبة للصراعات والتوترات في بعض الحالات، ويبقى الإسلام في نيجيريا هو الأكثر انتشارًا بالرغم من التعدد الديني، فالمسلمون يتواجدون بكثافة في الشمال، وفي المقابل يقطن المسيحيون بشكل كبير في الجنوب، كل ذلك خلق بيئة من الثراء والتنوع للهوية الثقافية النيجيرية.

تابع أحدث الأخبار عبر google news