الجريمة المنظمة في اليابان (3)
الياكوزا .. عصابة إجرامية تهدد مستقبل اليابان

في البداية لابد أن نشير إلى أن أي تنظيم إجرامي لابد وأن يتلقى قدراً من الدعم والتأييد من المجتمع الذي يعيش فيه كي يزدهر، ولذلك من الضروري أن يقوم التنظيم الإجرامي بإفساد القوى المهيمنة على المجتمع وكسب ود وتعاطف المجتمع، وهذا ما فعلته عصابات الياكوزا في اليابان، إذ قامت تلك العصابات بكسب تأييد شريحة كبيرة من المجتمع عن طريق الرشوة والابتزاز، وإقامة علاقات تكافلية مع الأعمال المشروعة، خاصة كبار المسؤولين والقضاة وقيادات الأجهزة الأمنية، فهم الأكثر استهدافاً والأكثر عرضة للرشوة وتقديم المساعدة للمستنفذين بغية ابتزازهم لاحقًا.

وبالرغم من أن الياكوزا قامت بالعديد من الأعمال الخيرية والإصلاحات، وتقديمها للمساعدات والإغاثة العاجلة بعد تعرض اليابان للعديد من الكوارث الطبيعية، إلا أن هذه الإيجابيات تكون على المدى القصير وحسب، أما على المدى الطويل فان وجود مثل هذه العصابات أثر في قوة الدولة وقدرة المجتمع على بناء مؤسسات قوية أو العودة إلى الحالة العادية، وقد صنفت اليابان عصابات الياكوزا على أنها عصابات إجرامية تمارس الجريمة المنظمة، ومن أجل توضيح نطاق التنظيم، يُعرِّف قانون (منع الأعمال غير العادلة من قبل أعضاء مجموعة الجريمة المنظمة) رقم 77 لسنة 1991م، جماعة الجريمة المنظمة على أنها "مجموعة يرتكب أعضاؤها (بما في ذلك أعضاء المجموعات المكونة للمجموعة) بشكل جماعي أو اعتيادي أعمالًا عنيفة وغير قانونية".
نص القانون رقم (1)
المتأمل في مسيرة التنمية في اليابان يجد أن وجود عصابات الياكوزا كان له بالغ الأثر على عملية التنمية المستدامة على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد أدى وجود مثل هذه العصابات إلى زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى والخراب وتقويض أي محاولات لتحقيق السلام والاستقرار، إضافة إلى هيمنتها على القطاعات التي عجزت الدولة عن السيطرة عليها، وبذلك أصبحت هياكل السوق غير القانونية ضرورة من أجل البقاء، ومن غير المنطقي أن يعتمد مجتمع بشكل أساسي على الجريمة المنظمة لتقوية اقتصاده.
تبدو أنشطة عصابات الياكوزا وكأنها أنشطة رسمية وقانونية في العلن، إذ يعمل رجالها تحت مظلة الجمعيات الأهلية ذات الأهداف غير النفعية، ويشاركون في الأعمال الإجتماعية، ويتجولون في الأحياء في وضح النهار، بل أن هذه العصابات تشكل جماعات مهمتها الدفاع عن سكان الحي ضد اللصوص والأعمال التخريبية التي يقوم بها الـ "بوسوزوكو" (bôsôzoku)، وهم جماعة من الصعاليك يمتطون الدراجات النارية، وغالبا ما ينتهي أمرهم بأن ينضموا إلى إحدى عصابات الياكوزا، مع التزامها بعدم الإخلال بالأمن العام، وقد كان لافتاً في السنوات الأخيرة قيام عصابة ياكوزا بالعديد من الأعمال الخيرية والتبرعات الضخمة بعد تعرض اليابان للعديد من الكوارث الطبيعية وخاصة ما حدث في زلزال هانشين أواجي الكبير عام 1995، حيث دمر الزلزال مساحات واسعة من مدينة كوبي المنشأ الأصلي لياماغوتشي - غومي، وقد أعدت العصابات المساعدات وأرسلت مؤناً إغاثية شاملة.
وفي الخفاء، يعتمد الياكوزا في مواردهم ومصادر تمويلهم على كل ما هو ممنوع ومحرم، مثل الدعارة، تجارة السلاح، القمار، والاتجار بالمخدرات وغيرها، ولدى هذه العصابات نظام بنكي ربوي فريد من نوعه، إذ بإمكان أي شخص أن يقترض منهم مالا، وبالقيمة التي يريد، وتلتزم هذه العصابات بتوفير المبلغ له في ظرف قياسي، دون الحاجة للإجابة على أية أسئلة، شرط أن يتم تسديد المال بفوائده الفاحشة في الوقت المتفق عليه، وفي حال تأخير رد المبلغ، تكون العاقبة وخيمة، وقد يلجأ رجال الياكوزا في النهاية إلى التخلص من العميل، ثم تتبعه عائلته.
وفي ظل هيمنة الياكوزا على النظام المصرفي وقطاع الأعمال الياباني، تعاظمت أنشطتها وتحديداً خلال الاضطراب المالي الذي أصاب الشرق الأقصى، وتُعد الياكوزا هي المسؤولة عن نصف الديون المعدومة في البنوك اليابانية، ومع ذلك فقد غازلت هذه البنوك الياكوزا في فترة الثمانينيات عندما هربت الشركات المقترضة الكبيرة إلى الأسواق الدولية، وبرغم الديون الضخمة على أعضاء الياكوزا للبنوك اليابانية، إلا أن البنوك خشيت المطالبة بسدادها خوفا من التعرض لرد فعل انتقامي، وتُقدر مكاسب الياكوزا السنوية بنحو 90 مليار دولار، وهو ما جعل هذه المافيا أكبر نشاط أعمال فردي في اليابان على الإطلاق، وهي تحتكر السوق في اليابان في مجال الاحتيال العقاري والقروض، الدعارة، تحصيل الديون وابتزاز المال، وقد أدى تباطؤ الاقتصاد الياباني إلى انتشار الباكوزا خارج قاعدتها العائلية / القومية التقليدية والبحث عن استثمارات وفرص أعمال في هاواي، والولايات المتحدة الأمريكية الأخرى والفلبين وأستراليا ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا، ويشتبه في أن الياكوزا استثمرت 50 مليار دولار في الأسواق المالية بالولايات المتحدة وحدها.
تابع أحدث الأخبار عبر